يحيى بن أبي كثير عن رجل قال : قال عبد الله ستامر الحرّة في العزل ولا تستأمر الأمة ، وفي هذه الآية دليل على تحريم أدبار النساء لأنها موضع الفرث لا موضع الحرث ، وإنما قال الله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) وهذا من لطف كنايات القرآن حيث عبّر بالحرث عن الفرج فقال : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) أي مزرع ومنبت الولد ، وأراد به المحرث المزدرع ، ولكنّهن لما كنّ من أسباب الحرث جعلن حرثا.
وقال أهل المعاني : تقدير الآية : نساؤكم كحرث لكم ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) أي كنار ، قال الشاعر :
النشر مسك والوجوه دنانير |
|
وأطراف الأكف عنم (١) |
والعرب تسمي النساء حرثا ، قال المفضل بن سلمة : أنشدني أبي :
إذا أكل الجراد حروث قوم |
|
فحرثي همّه أكل الجراد (٢) |
وقال الثعلبي : وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السدوسي ، قال : أنشدني أبو منصور مهلهل بن علي العزّي ، قال : أنشدني أبي قال : أنشدنا أحمد بن يحيى :
حبّذا من حبّة الله النبات الصالحات |
|
هن النسل والمزروع بهنّ الشجرات |
يجعل الله لنا فيما يشاء البركات |
|
إنما الأرضون لنا محرثات |
فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات (٣) |
وقد وهم بعض الفقهاء في تأويل هذه الآية وتعلق بظاهر خبر رواه وهو ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين من رواة الدينوري ، حدّثنا محمد بن عيسى الهيّاني أبو بكر الطرسوسي وإسحاق الغروي عن مالك بن أنس عن نافع قال : كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) قال : أتدري فيما نزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال : نزلت في رجل أتى امرأة في دبرها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشقّ ذلك عليه فنزلت (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية (٤) ، وأما تأويل حديث ابن عمر فهو ما روى عطاء عن موسى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنّه لقي سالم بن عبد الله ، فقال : يا أبا عمر ما حدّث محدّث نافع عن عبد الله؟ قال : وما هو؟ قال : زعم أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء من أدبارهنّ ، قال : كذب العبد وأخطأ ، إنّما قال عبد الله : تؤتى في فروجهنّ من أدبارهنّ ، الدليل على تحريم
__________________
(١) نسبه في تاج العروس لمرقش : ٣ / ٥٦٥.
(٢) لسان العرب : ٢ / ١٣٥.
(٣) كذا في المخطوط ، وكأن فيها خلل ، راجع تفسير القرطبي : ٣ / ٩٣.
(٤) السنن الكبرى للنسائي : ٣١٦ ح ٨٩٨١.