قروء والجمع الكثير أقراء وقرء ، واختلف الفقهاء في القروء ، فقال قوم : هي الحيض ، وهو قول علي وعمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري ومجاهد ومقاتل بن حيّان ، ومذهب سفيان وأبي حنيفة وأهل الكوفة ، واحتجوا بقول النبي صلىاللهعليهوسلم للمستحاضة : «دعي الصلاة أيام أقرائك» [١٤١] (١) والصلاة إنما تترك في حال الحيض ، يقول الراجز أنشده تغلب عن ابن الأعرابي :
له قروء كقروء الحائض (٢)
يعني أنّ عداوته تهيج في أوقات معلومة كما أن المرأة تحيض بأوقات معلومة ، فمن قال بهذا القول قال : لا تحلّ المرأة للأزواج ولا تخرج من عدّتها ما لم تنقض الحيضة الثالثة ، يدل عليه ما
روى الزهري عن ابن المسيّب أن عليا قال في الرجل يطلق امرأته واحدة أو ثنتين : [لا] يحل لزوجها الرجعة إليها حتّى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحلّ لها الصلاة.
وقال آخرون : هي الأطهار وهو قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة ومذهب مالك والشافعي وأهل المدينة ، واحتجوا بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم ـ لمّا طلّق ابن عمر امرأة وهي حائض ـ لعمر : مره فليراجعها ، فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك ، وتلا النبي صلىاللهعليهوسلم قوله عزوجل (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَ) فأخبر صلىاللهعليهوسلم أنّ العدّة الأطهار من الحيض وقرأ (فَطَلِّقُوهُنَ) لتتم عدتهنّ ، وهو أن يطلقها طاهرا لأنها حينئذ تستقبل عدّتها ، ولو طلقت أيضا لم تكن مستقبلة عدّتها إلّا بعد الحيض ، ويدلّ على تلك القروء والأطهار قول الشاعر وهو الأعشى :
وفي كل عام أنت جاشم غزوة |
|
تشد لأقصاها عزيم غزائكا |
مورثة مالا وفي الحي رفعة |
|
لما ضاع فيها من قروء نسائكا (٣) |
والقرء في هذا البيت الطهر ، لأنّه خرج إلى الغزو ولم يغش نساءه فأضاع اقراءهنّ أي أطهارهن ، ومن قال بهذا القول قال : إذا حاضت المرأة الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلّت للزواج ، يدلّ عليه ما روى الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة ، قالت : إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلّت للأزواج ، قالت عمرة : وكانت عائشة تقول : القرء : الطهر ليس الحيض.
ابن شهاب قال : سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : ما أدركت أحدا من فقهائنا إلّا وهو يقول هذا ، يريد قول عائشة الأقراء الأطهار ، وإنما وقع هذا الاختلاف لأن القرء في اللغة
__________________
(١) سنن الدارقطني : ١ / ٢٢٠.
(٢) لم نجدها بهذه الألفاظ ، انظر : جامع البيان للطبري : ١ / ٤٨٤ ، وتفسير القرطبي : ١ / ٤٤٨ ، وغريب الحديث : ١ / ٣٤.
(٣) جامع البيان للطبري : ٢ / ٦٠٣ ، والصحاح للجوهري : ١ / ٦٤.