هاهنا بلوغ مقاربة ، وقوله بعد هذا (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) بلوغ انقضاء وانتهاء ، والبلوغ يتناول المعنيين جميعا ، يقال : بلغ المدينة إذا صار إلى حدّها وإذا دخلها.
(فَأَمْسِكُوهُنَ) أي راجعوهنّ (بِمَعْرُوفٍ) قال محمد بن جرير : بمعروف أي بإشهاد على الرجعة وعقد لها دون الرجعة بالوطء (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي اتركوهنّ حتّى تنقضي عدّتهنّ ، وكنّ أملك لأنفسهنّ.
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) مضارّة وأنتم لا حاجة بكم إليهنّ (لِتَعْتَدُوا) عليهن بتطويل العدّة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) الاعتداء (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ضرّها بمخالفة أمر الله عزوجل.
مرّة الطيب ، عن أبي بكر الصديق رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ملعون من ضارّ مسلما أو ماكره» [١٥٢] (١).
(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) الحسن عن أبي الدرداء قال : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : إنّما طلّقت وأنا لاعب فيرجع فيها ويعتق ، فيقول مثل ذلك ويرجع فيه وينكح ، ويقول مثل ذلك ، فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) يقول : حدود الله وقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : من طلق أو حرّر وأنكح وزعم أنّه لاعب فهو جدّ ، وفي الخبر : خمس جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ، والرجعة ، والنذر.
وعن أبي موسى ، قال : غضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الأشعريين قال : يقول «أحدكم لامرأته : قد طلقتك ، قد راجعتك ، ليس هذا طلاق المسلمين ، طلّقوا المرأة في قبل طمثها (٢)» (٣).
وقال الكلبي (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) يعني قوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإيمان (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ) يعني القرآن (وَالْحِكْمَةِ) يعني مواعظ القرآن والحدود والأحكام.
(يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) الآية ، نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني ، كانت تحت أبي البدّاح عاصم بن عدي بن عجلان ، فطلّقها تطليقة واحدة ثم تركها حتّى انقضت عدّتها ثم جاء يخطبها وأراد مراجعتها وكان رجل صدق ، وكانت المرأة تحبّ مراجعته ، فمنعها أخوها معقل
__________________
(١) سنن الترمذي : ٣ / ٢٢٣.
(٢) في تفسير الطبري والدر المنثور : (١ / ٢٨٦) : عدتها.
(٣) بتفاوت في سنن ابن ماجة : ١ / ٦٥٠ ح ٢٠١٧ ، والسنن الكبرى : ٧ / ٣٢٢ ، وتمامه في تفسير الطبري : ٢ / ٦٥٥.