لأنّ العرب تقول : أقام فلان مقام كذا حولين أو شهرين وإنما أقام حولا وبعض آخر ، ويقولون : اليوم يومان مذ لم أره ، وإنما يعنون يوما وبعض آخر ، ومنه قوله (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ومعلوم أنه يتعجل أو يتأخر في يوم ونصف ، ومثلها كثير ، فبيّن الله أنهما حولان كاملان أربعة وعشرين شهرا من يوم ولد إلى أن يفطم.
واختلف العلماء في هذا الحدّ أهو حدّ لكل مولود أو حدّ لبعض دون بعض؟ فروى عكرمة عن ابن عباس : إذا وضعت لستة أشهر فإنها ترضعه حولين كاملين ، أربعة وعشرين شهرا ، وإذا وضعته لسبعة أشهر أرضعته ثلاثة وعشرين شهرا ، وإذا وضعته لتسعة أشهر أرضعته إحدى وعشرين شهرا ، كل ذلك تمام ثلاثين شهرا ، قال الله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً).
وقال قوم : هو حدّ لكل مولود في وقت وأن لا ينقص من حولين ولا يزيد إلّا أن يشاء الزيادة ؛ فإن أراد الأب يفطمه قبل الحولين ولم ترض الأم فليس له ذلك ، وإذا قالت الأم : أنا أفطمه قبل الحولين ، وقال الأب : لا ، فليس لها أن تفطمه حتّى يتفقا جميعا على الرضا ، فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه وإن اختلفا لم يفطماه قبل الحولين ، وذلك قوله (عَنْ تَراضٍ مِنْهُما) ويشاور هذا قول ابن جريح والثوري ورواية الوالبي عن ابن عباس.
وقال آخرون : المراد بهذه الآية الدلالة على الرضاع ما كان في الحولين ، فإنّ ما بعد الحولين من الرضاع يحرم ، وهو قول علي وعبد الله وابن عباس وابن عمر وعلقمة والشعبي والزهري ، وفي الحديث : لا رضاع بعد الحولين ، وإنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم.
وقال قتادة والربيع : فرض الله عزوجل على الوالدات أن (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ثم أنزل الرخصة والتخفيف بعد ذلك فقال : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) أي هذا منتهى الرضاع ، وليس فيما دون ذلك وقت محدود ، وإنما هو على مقدار صلاح الصبي وما يعيش به ، وقرأ أبو رجاء لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرِّضاعَةَ بكسر الراء ، قال الخليل والفرّاء : هما لغتان ، مثل الوكالة والوكالة والدّلالة.
وقرأ مجاهد وابن محجن لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضْعَةَ وهي فعلة كالمرّة الواحدة ، وقرأ عكرمة وحميد وعون العقيلي لمن أراد أن تتم الرضاعة بتاء مفتوحة ورفع الرضاعة على أن الفعل لها ، وقرأ ابن عباس يكمل الرضاعة.
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) يعني الأب (رِزْقُهُنَ) طعامهنّ وقوتهنّ (وَكِسْوَتُهُنَ) لباسهنّ ، وقرأ طلحة عن مصرف كُسْوَتُهُنَّ بضم الكاف ، وهما لغتان مثل أسوه وإسوة ورشوه ورشوة (بِالْمَعْرُوفِ) علم الله تفاوت أحوال خلقه في الغنى والفقر ، فقال (بِالْمَعْرُوفِ) أي على قدر الميسرة جعل الرضاعة على الأم والنفقة على الأب (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) والتكليف