وقال عليهالسلام : «أبغض الحلال عند الله الطلاق» [١٥٩] (١) ، وقال عليهالسلام : «إنّ الله يبغض كل مطلاق مذواق» [١٦٠] (٢).
فلمّا قال رسول الله هذا ظنّوا أنهم يأثمون في ذلك فأخبر الله تعالى أنه لا جناح في تطليق النساء إذا كان على الوجه المندوب ، فربّما كان الفراق أروح من الإمساك ، وقيل : معنى قوله (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي لا سبيل عليكم للنساء إن طلّقتموهنّ (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) ولم تكونوا فرضتم لهنّ فريضة في أتباعكم بصداق ولا نفقة.
وقيل : معناه (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) في أي وقت شئتم لأنه لا سنّة في طلاقهنّ ، فللرجل أن يطلّقهن إذا لم يكن مسّهنّ حائضا أو طاهرا ، وفي كل وقت أحبّ ، وليس كذلك في المدخول بها لأنّه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الأقراء إلّا العدة ظاهرا في طهر لم يجامعها فيه ، فإن طلّقها حائضا آيسا وقع الطلاق.
(وَمَتِّعُوهُنَ) أي زوّدوهنّ وأعطوهنّ من مالكم ما يتمتعن به ، والمتعة والمتاع ما تبلغ به من الزاد (عَلَى الْمُوسِعِ) أي الغني (قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ) الفقير (قَدَرُهُ) أي إمكانه وطاقته ، قرأ أبو جعفر وحفص وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بفتح الدال فيهما ، واختاره أبو عبيدة قال : لما فيهما من الفخامة ، وقرأ الآخرون بجزم الدال فيهما واختاره أبو حاتم وهما لغتان ، قال : نطق بهما القرآن فتصديق الفتح قوله : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) وتصديق الجزم قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) تقول العرب : القضاء والقدر ، وقال أبو يزيد الأنصاري : القضاء والقدر بتسكين الدال ، وقال الشاعر وهو الفرزدق :
وما صبّ رملي في حديد مجاشع |
|
مع القدر إلّا حاجة لي أريدها |
وقال بعضهم : القدر المصدر والقدر الاسم (مَتاعاً) نصب على المصدر أي متعوهن متاعا ، ويجوز أن يكون نصبا على القطع لأنّ المتاع نكرة والقدر معرفة (بِالْمَعْرُوفِ) أي ما أمركم الله به من غير ظلم ولا مطل (حَقًّا) نصب على الحكاية تقديره : أخبركم حقا ، وقيل على القطع.
حكم الآية
قال المفسّرون : قيل : هذا في الرجل يتزوج المرأة ولا يسمّي لها صداقا فطلقها قبل أن يمسها فلها المتعة ولا فريضة لها بإجماع العلماء ، واختلفوا في متعة المطلقة فيما عدا ذلك ، فقال قوم : لكل مطلقة متعة كائنة من كانت وعلى أي وجه وقع الطلاق ، فالمتعة واجبة تقضى لها
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٦٥٠ ح ٢٠١٨.
(٢) المصنف لابن أبي شيبة : ٤ / ١٧٢ ، بتفاوت.