لمّا رأت سرّي تغيّر وانحنى |
|
من دون [نهمة] سرّها حين انثنى (١) |
ثم استثنى فقال (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قيل عدة جميلة ، وقال مجاهد : هو التعرض من غير أن يصرّح ويبوح ، و (أن) في محل نصب بدلا من السرّ ، وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كلّه منسوخ بقوله (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) أي لا تصححوا عقدة النكاح ، وقال ابن الزجاج : ولا تعزموا على عقدة النكاح ، كما يقال : يضرب يد الطهر واليمن (٢) وقال عنترة :
ولقد أبيت على الطوى وأظلّه |
|
حتى أنال به كريم المطعم (٣) |
أي وأظل عليه.
(حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) حتى تنقضي العدّة وإنما سماها كتابا لأنها فرض من الله تعالى كقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ).
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) فخافوا الله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) لا يعجل بالعقوبة ، تقول العرب : ضع الهودج على أحلم الجمال.
(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) الآية ، نزلت في رجل من الأنصار تزوج بامرأة من بني حنيفة ، ولم يسمّ لها مهرا ، ثم طلّقها قبل أن يمسّها فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فلمّا نزلت قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «متّعها ولو بقلنسوتك» [١٥٦] (٤) ، فذلك قوله (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) تجامعوهنّ.
قرأ حمزة والكسائي وخلف : تماسّوهنّ بالألف على المفاعلة لأنّ بدن كل واحد منهما يمسّ بدن صاحبه فيتماسّان جميعا ، دليله قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) وقرأ الباقون : (تَمَسُّوهُنَ) بغير ألف لأن الغشيان إنما هو من فعل الرجل ، دليله قوله (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ).
(أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أي توجدوا لهنّ صداقا ، يقال فرض السلطان لفلان أي أثبت له صدقة في الديوان ، فإن قيل : ما الوجه في نفي الجناح عن المطلق وهل على الرجل جناح لو طلّق بعد المسيس فيوضع عنه قبل المسيس؟ قيل : روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما بال أقوام يلعبون بحدود الله يقولون : طلّقتك ، راجعتك؟» [١٥٧] (٥) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تطلّقوا نساءكم إلّا عن ريبة ؛ فإنّ الله لا يحبّ الذوّاقين ولا الذوّاقات» [١٥٨] (٦).
__________________
(١) لسان العرب : ٤ / ٣٥٨ ، ونسبه للأفوه الأودي وفيه :
لما رأت سري تغير وانثنى |
|
من دون نهمة ثبرها حين انثنى |
(٢) تفسير القرطبي : ٣ / ١٩٢.
(٣) لسان العرب : ١١ / ٤١٩ ، وفيه : كريم المأكل.
(٤) زاد المسير : ١ / ٢٤٦.
(٥) سنن ابن ماجة : ١ / ٦٥٠ ح ٢٠١٧. (٦) مجمع الزوائد : ٤ / ٣٣٥.