كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (١).
(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي وقت معلوم (فَاكْتُبُوهُ) أي اكتبوا الذي تداينتم به بيعا كان أو قرضا لئلّا يقع فيه جحود ولا نسيان ولا تدافع.
واختلفوا في هذا الكتابة ، هل هي واجبة أم لا؟ فقال بعضهم : فرض واجب ، قال ابن جريج : من أدان فليكتب ، ومن باع فليشهد. وهذا القول اختيار محمد بن جرير الطبري ، يدلّ عليه ما روى الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم : رجل كانت عنده امرأة سيئة الخلق فلم يطلّقها. ورجل كان له دين فلم يشهد ، ورجل أعطى سفيها مالا ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) (٢)».
قال قوم : هو أمر استحباب وتخيير فإن كتب فحسن وإن ترك فلا بأس.
كقوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (٣). وقوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) (٤). هو اختيار الفراء.
وقال آخرون : كان كتاب الدين والإشهاد والرهن فرضا ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (٥) وهو قول الشعبي.
ثم بيّن كيفيّة الكتابة فقال عزّ من قائل : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وقرأ الحسن وَلْيَكْتِبْ بكسر اللام ، وهذه اللام ، لام الأمر ولا يؤمر بها غير الغائب ، وهي إذا كانت مفردة فليس فيها إلّا الحركة ، فإذا كانت قبلها واو أو فاء أو ثم ، فأكثر العرب على تسكينها طلبا للخفّة ومنهم من يكسرها على الأصل.
ومعنى الآية : (وَلْيَكْتُبْ) كتاب الدين. بيع البائع والمشتري والطالب والمطلوب. (كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) أي بالحق والإنصاف فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ولا يقدّم الأجل ولا يؤخّره ولا يكتب به شيئا يبطل به حقّا لأحدهما لا يعلمه هو.
(وَلا يَأْبَ) ولا يمتنع (كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ) وذلك إنّ الكتّاب كانوا قليلا علي عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) سورة الحجر : ٣٠.
(٢) المستدرك : ٢ / ٣٠٢.
(٣) سورة المائدة : ٢.
(٤) سورة الجمعة : ١٠.
(٥) سورة البقرة : ٢٨٣.