وأجمع الفقهاء على أنّ شهادة النساء جائزة مع الرجال في الأموال ، واختلفوا في غير الأموال. وكان مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد لا يجزونها إلّا في الأموال. وكان أبو حنيفة وسفيان وأصحابهما يجيزون شهادتين مع الرجل في كلّ شيء ما عدا الحدود والقصاص. (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ). يعني من كان مرضيّا في ديانته وأمانته وكفائته.
قال عمر بن الخطّاب رضياللهعنه : من أظهر لنا خيرا ظننا به خيرا فأجبناه عليه ومن أظهر لنا شرّا ظننا به شرّا وأبغضناه عليه ، وإذا حمد الرجل جاره وقرائبه ورفيقه فلا تشكّوا في صلاحه.
وقال إبراهيم النخعي : العدل : من لم يظهر منه ريبة. وقال الشعبي : العدل : من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج.
وقال الحسن : هو من لم يعلم له خزية.
وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرّب عليه شهادة زور ولا التابع مع أهل البيت ـ يعني الخادم لهم ـ [ولا الظنين في ولاء ولا قرابة]» (١).
وجملة القول فيمن تقبل شهادته : أن تجتمع فيه عشر خصال : يكون حرّا بالغا مسلما عدلا عالما بما يشهد به ولا يجز بشهادته إلى نفسه منفعة ولا يدفع عن نفسه مضرّة ولا يكون معروفا بكثرة الغلط ولا يترك المروءة ولا يكون عنده لين [ولا] يشهد عليه عبده ، فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال كان مقبول القول جائز الشهادة.
وتقبل شهادة النساء على الانفراد لا رجل معهن في أربع مواضع : عيوب النساء وهو ما يكون عيبا في موضع هي عورة منها ـ في الحرّة في جميع بدنها إلّا وجهها وكفّيها ، ومن الأمة ما بين سرّتها إلى ركبتها ـ وفي الرضاع ، وفي الولادة ، وفي الاستهلال.
ولا خلاف في ذلك كلّه إلّا في الرضاع. وان أبا حنيفة ذهب إلى أنّ شهادة النساء على الانفراد لا تقبل فيه حتّى يشهد رجلان أو رجل وامرأتان.
وأمّا صفة الشهادة فروى طاوس عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الشهادة فقال : «ترى الشمس»؟
قال : نعم ، قال : «على مثلها فاشهد أو دع» (٢) وعن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أكرموا الشهود فإنّ الله عزوجل يستخرج بهم
__________________
(١) كنز العمال : ٧ / ١٥ ح ١٧٧٤٧.
(٢) كنز العمال : ٧ / ٢٣ ح ١٧٧٨٢.