قال أبو عبيد : حدثت عن سفيان بن عينية أنّه قال : هو من الذكر ، يعني أنّها إذا شهدت مع أخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر.
قلت : هذا القول لا يعجبني لأنّه معطوف على النسيان والله أعلم.
(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا). قال بعضهم : هذا في محمل الشهادة وهو أمر إيجاب.
قال قتادة والربيع : كان الرجل يطوف في الحيّ العظيم فيه القوم فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتّبعه أحد منهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الشعبي : هو مخيّر في تحمّل الشهادة إذا وجد غيره ، فإن شاء شهد وإن شاء لم يشهد ، فإذا لم يوجد غيره فترك إلّا ما فرض عليه. وقال بعضهم : هذا أمر ندب وهو مخيّر في جميع الأحوال إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد. وهو قول عطاء وعطيّة.
وقال أبو بحريّة : قلت للحسن : أدعى إلى الشهادة وأنا كاره ، قال : فلا تجب ولا تشهد إن شئت. وقال مغيرة : قلت لإبراهيم : إنّي أدعى إلى الشهادة وإنّي أخاف أن أنسى ، قال : فلا تشهد أن تحب.
وقال بعضهم : هذا في إقامة الشهادة وأدائها ، ومعنى الآية : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) لإقامة الشهادة إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك. وهو قول مجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والسدي ، وروى سفيان عن جابر عن عامر قال الشاهد بالخيار ما لم يشهد. وقال الحسن والسدي هذه الآية في الأمرين جميعا في التحمّل والاقامة إذا كان فارغا.
(وَلا تَسْئَمُوا). ولا تملّوا يقال : سئمت أسأم سأما وسأمة ، قال زهير :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش |
|
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم |
وقال لبيد :
ولقد سئمت من الحياة وطولها |
|
وسؤال هذا الناس كيف لبيد |
وأن في محلّ النصب من وجهين : إن شئت جعلته مع الفعل مصدرا وأوقعت السآمة عليه ، تقديره : ولا تسأموا كتابته ، وإن شئت نصبت بنزع حروف الصفة ، تقديره : ولا تسأموا من أن تكتبوه ، والهاء راجع إلى الحق.
وقرأ السلمي : ولا يسأموا بالياء.
(صَغِيراً). كان الحقّ (أَوْ كَبِيراً). قليلا كان المال أو كثيرا ، وانتصاب الصغير والكبير من وجهين : أحدهما على الحال والقطع من الهاء ، والثاني أن تجعله خبرا لكان وأضمر ، يعني : وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً كان الحق أَوْ كَبِيراً.