خباب : حضرت مجلس ذي النون المصري في فسطاطه ، فتكلّم ذلك اليوم في محبّة الله فمات أحد عشر نفسا في المجلس ، فصاح لا يحل من المزيد بر فقال : يا أبا القيس ذكرت محبّة الله فاذكر محبّة المخلوقين ، فتأوّه ذو النون تأوّها شديدا ومدّ يده إلى وجهه ووقف منتصبا وقال له : خلقت قلوبهم واستعبرت عيونهم وتألّفوا السهاد ، وفارقوا الرقاد فليلهم طويل نومهم وقليل أحزانهم لا تعد وهمومهم لا تعقد ، أمورهم عسيرة ودموعهم غزيرة باكية عيونهم قريحة جفونهم. [عاداهم] الرفاق والأهل والجيران. وقال يحيى : لو تركت العقوبة بيدي يوم القيامة ما عذّبت العشّاق ؛ لأن ذنوبهم اضطرارا لا اختيارا.
قال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير ، وقال بعضهم : هو شماتة الأعداء. وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبّه قال : قيل لأيّوب عليهالسلام : ما كان أشق عليك في طول بلائك؟ قال : شماتة الأعداء. وأنشد ابن الأعرابي :
كلّ المصائب قد تمرّ على الفتى |
|
فتهون غير شماتة الحسّاد |
إنّ المصائب تنقضي أيامها |
|
وشماتة الأعداء بالمرصاد |
وقيل : هو القطيعة والفرقة نعوذ بالله منها. وقيل : قطع الأوصال أيسر من قطع الوصال ، وقال النظّام : لو كان للبين صورة لما [راع] الذنوب ولهدّ الجبال ولجمر الغضا أقل من [...] (١) ولو عذّب الله سبحانه أهل النار بالفراق لاستراحوا إلى [حرّ العذاب].
(وَاعْفُ عَنَّا). أي تجاوز واصفح عن تقصيرنا وذنوبنا. (وَاغْفِرْ لَنا). واستر علينا ذنوبنا وتجاوز عنها ولا [تعاقبنا] (وَارْحَمْنا). فإنا لا ننال العمل لطاعتك ولا ترك معصيتك إلّا برحمتك ، وقيل : (وَاعْفُ عَنَّا) من المسخ ، (وَاغْفِرْ لَنا) عن السيئات ، (وَارْحَمْنا) من القذف. وقيل : (وَاعْفُ عَنَّا) ، من الأفعال ، (وَاغْفِرْ لَنا) من الأقوال ، (وَارْحَمْنا) من العقود والأضمان. وقيل : (وَاعْفُ عَنَّا) الصغائر ، (وَاغْفِرْ لَنا) الكبائر ، (وَارْحَمْنا) بتثقيل الميزان مع إفلاسنا. وقيل : (وَاعْفُ عَنَّا) في سكرات الموت ، (وَاغْفِرْ لَنا) في ظلمة القبر ، (وَارْحَمْنا) في ظلمة القبر.
(أَنْتَ مَوْلانا). أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا ووال بنا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
عطاء عن سعيد عن ابن عباس في قول الله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ). إلى قوله : (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). قال : قد غفرت لكم (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا). قال : لا أواخذكم (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً). قال : لا أحمل عليكم. (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ). قال : لا أحمّلكم (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). قال : قد عفوت عنكم وغفرت لكم
__________________
(١) كلمة غير مقروءة.