قال الفرّاء أنشدني أبو تراب :
أحبّ لحبّها السّودان حتّى |
|
حببت لحبّها سواد الكلاب |
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) قرأ أبو عبد الرحمن وأبو رجاء والحسن وأبو جعفر وشيبه ونافع وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون وسلام ويعقوب وأيّوب وابن عبّاس ولو ترى بالتّاء : أي تبصر يا محمّد وقرأ الباقون بالياء.
فمن قرأ بالتّاء فهو خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والجواب محذوف تقديرها ولو ترى : أي تبصر يا محمّد (الَّذِينَ ظَلَمُوا) : أشركوا.
(إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) لرأيت أمرا عظيما ولعلمت ما يصيرون إليه أو لتعجّبت منه ، ومن قرأ بالياء فمعناه : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم عند رؤية العذاب لعلموا (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) أو لآمنوا أو لعلموا مضرّة الكفر ونظير هذه الآية من المحذوف الجواب قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (١) الآية : يعني لكان هذا القرآن وهو كما يقول : لو رأيت فلانا والسّياط تأخذه. فتستغني عن الجواب ؛ لأنّ المعنى مفهوم (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ).
وقرأ أبو البرخثم وابن عامر : يُرون بضم الياء على التعدي (٢) ، وقرأ الآخرون بفتحها على اللزوم.
(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) قرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر وشيبة وسلام ويعقوب : إنّ القوّة وإن الله بكسر الألف فيهما على الاستئناف. والكلام تام عند قوله (يَرَوْنَ الْعَذابَ) مع إضمار الجواب ، كما ذكرنا.
وقرأ الباقون : بفتحها على معنى بانّ القوّة وبانّ الله ، وقيل : معناه ليروا أنّ القوّة لله. أي لأيقنوا وعاينوا.
قال عطاء : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) يوم القيامة (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمسمائة عام لتلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبّة ؛ لعلموا (أَنَّ الْقُوَّةَ) والقدرة والملكوت والجبروت (لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ).
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)
__________________
(١) سورة الرعد : ٣١.
(٢) راجع تفسير القرطبي : ٢ / ٢٠٥ ونسبه لابن عمر وحده.