لقول النّاس : أوصيكم بتقوى الله.
قال أبو حاتم : قرأتها بمكّة بالتشديد أوّل ليلة أقمت فعابوها عليّ.
وقرأ الباقون : موصّ بالتشديد واختاره ابو عبيد كقوله : (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) (١).
(جَنَفاً) جورا وعدولا من الحقّ من الحقّ والجنف : الميل في الكلام والأخذ كلّها يقال :
جنف وأجنف وتجانف إذا مال. قال لبيد :
إنّي امرؤ منعت أرومة عامر |
|
ضيمي وقد جنفت عليّ خصوم (٢) |
وقال آخر :
هم أقول وقد جنفوا علينا |
|
وانّا من لقاءهم أزور |
وقال علي عليهالسلام : حيفا بالحاء والياء أي ظلما.
قال الفراء : الفرق بين الجنف والحيف : أن الجنف عدول عن الشيء والحيف : حمل الشّيء حتّى ينتقصه وعلى الرّجل حتّى ينتقص حقّه.
يقال : فلان يتحوف ماله أي ينتقصه منّي حافاته.
وقال المفسّرون : الجنف : الخطأ ، والإثم : العمد ، واختلفوا في معنى الآية وحكمها فقال قوم : تأويلها من حضر مريضا وهو يوصّي فخاف أن [يحيف] في وصيته فيفعل ما ليس له أو تعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له ، فلا حرج على من حضره أن يصلح بينه وبين ورثته بأن يأمره بالعدل في وصيّته ، وينهاه عن الجنف فينظر للموصي وللورثة ، وهذا قول مجاهد : هذا ممّن يحضر الرّجل وهو يموت. فإذا أسرف أمره بالعدل وإذا قصّر قال : أفعل كذا أعط فلانا كذلك.
وقال آخرون : هو إنّه إذا أخطأ الميت وصيّته أو خاف فيها متعمدا فلا حرج على وليه أو وصيه أو والي أمر المسلمين أن يصلح بعد موته بين ورثته وبين الموصي لهم ، ويردّ الوصيّة إلى العدل والحق ، وهذا معنى قول ابن عبّاس وقتادة وإبراهيم والرّبيع.
وروى ابن جريج عن عطاء قال : هو أن يعطي عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض مما سيرثونه بعد موته. فلا إثم على من أصلح بين الورثة.
طاوس : [الحيف] وهو أن يوصي لبني ابنه يريد ابنه أو ولد أبنته يريد ابنته ، ويوصي لزوج ابنته ويريد بذلك ابنته ، فلا حرج على من أصلح بين الورثة.
__________________
(١) سورة الشورى : ١٣.
(٢) مجمع البيان : ١ / ٤٨٥.