شهدت أوّله فصم آخره إلّا تراه يقول : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) قالوا : والمستحب له ألّا يسافر إذا أدركه رمضان مقيما. إن أدركه. حتّى يقضي الشهر ، وروي في ذلك عن ابراهيم بن طلحة إنه جاء إلى عائشة رضياللهعنها يسلم عليها قالت : وأين تريد؟
قال : أردت العمرة ، قالت : جلست حتّى إذا دخل عليك شهر رمضان خرجت فيه؟
قال : قد خرج ثقلي ، قالت : اجلس حتّى إذا أفطرت فاخرج ، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له. وقال الآخرون معنى الآية (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ما شهد منه وكان حاضرا وإن سافر فله الإفطار إن يشأ ، قاله ابن عبّاس وعامّة أهل التأويل ، وهو أصحّ الأقاويل يدلّ عليه ما روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الفتح صائما في رمضان حتّى إذا بلغ القنطرة دعا بماء فشرب.
وعن الشعبي : إنّه سافر في رمضان فأفطر عند باب الجسر.
ثمّ ذكر فقال : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) اختلف العلماء في الزمن الّذي أباح الله تعالى معه الإفطار ، فقال قوم : هو كل مرض يسمّى مريضا.
وقال [طريف بن تمام] العطاردي : دخلت على محمّد بن سيرين يوما في شهر رمضان وهو يأكل فلمّا فرغ قال لا توجّعت إصبعي هذه.
وقال آخرون : فكل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصّوم الزّيادة في علّته زيادة غير محتملة ، وهو اختيار الشّافعي.
وقال الحسن وإبراهيم : إذا لم يستطع المريض أن يصلّي قائما أفطر ، والأصل إنّه إذا لم يمكنه الصّيام وأجهده أفطر فإذا لم يجهده الصّوم فهو بمعنى الصحيح الّذي يطيق الصوم.
(أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) اختلف العلماء في صيام المسافر فقال قوم : الإفطار في السّفر عزيمة واجبة وليس برخصة فمن صام في السفر فعليه القضاء إذا أقام ، وهو قول عمرو أبي هريرة وابن عبّاس وعلي بن الحسين وعروة بن الزبير والضحّاك ، واعتلّوا بما روت أمّ الدّرداء عن كعب بن عاصم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ليس من البرّ الصيام في السفر» [٤٧] (١).
الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : الصّائم في السّفر كالمفطر في الحضر.
وقال آخرون : الإفطار في السّفر رخصة من الله عزوجل والفرض الصّوم فمن صام ففرضه
__________________
(١) كتاب الأم للشافعي : ٢ / ١١٢ ، ومسند الحميدي : ٢ / ٣٨١.