أدي ومن أفطر فبرخصة الله أخذ ولا قضاء على من صام إذا أقام ، وهذا هو الصّحيح وعليه عامّة الفقهاء. ويدلّ عليه : ما روى عاصم بن الأحول عن أبي نضرة عن جابر قال : كنّا مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في سفر فمنّا الصّائم ومنّا المفطر فلم يكن بعضنا يعيب على بعض.
وروى يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة : إنّ حمزة بن عمرو قال : يا رسول الله إنّي كنت أتعوّد الصيام أفأصوم في السّفر قال : «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» [٤٨] (١).
وعن عروة بن أبي قراح عن حمزة بن عمرو إنّه قال : يا رسول الله أجد بي قوّة على الصّيام في السّفر فهل عليّ جناح قال : «هي رخصة من الله عزوجل فمن آخذها فحسن ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه» [٤٩] (٢).
وامّا قوله صلىاللهعليهوسلم : «ليس من البرّ الصّيام في السّفر». فإنّ تمام الخبر يدلّ على تأويله وهو ما روى محمّد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال : «ما بال صاحبكم هذا؟» قالوا : يا رسول الله صام ، قال : «إنّه ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر ، وعليكم برخصة الله تعالى التي رخص لكم فاقبلوها» ، وكذلك تأويل قوله صلىاللهعليهوسلم : «الصائم من السّفر كالمفطر في الحضر» [٥٠] (٣).
يدلّ عليه حديث مجاهد عن ابن عمر : إنّه مرّ برجل ينضح الماء على وجهه وهو صائم ، فقال : أفطر ويحك فإنّي أراك لو متّ على هذا دخلت النّار.
والجامع لهذه الأخبار والمؤيد لما قلنا ما روى أيوب عن عروة وسالم إنّهما كانا عند عمر بن عبد العزيز ، إذ هو أمير على المدينة. فتذاكروا الصّوم في السّفر. فقال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السّفر ، وقال عروة : كانت عائشة تصوم في السّفر. فقال : سالم : إنما أحدّث عن ابن عمر ، وقال عروة : إنّما أحدّث عن عائشة ، فارتفعت أصواتهما ، فقال عمر بن عبد العزيز : اللهمّ اغفر إذا كان يسرا فصوموا وإذا كان عسرا فأفطروا.
ثمّ اختلفوا في المستحب منهم ، فقال قوم : الصّوم أفضل ، وهو قول معاذ بن جبل وأنس وإبراهيم ومجاهد.
ويروى إنّ أنس بن مالك أمر غلاما له بالصّوم في السّفر ، فقيل له في هذه الآية ، فقال : نزلت ونحن يومئذ نرحل جياعا وننزل على غير شبع ، فمن أفطر فبرخصة ، ومن صام فالصّوم أفضل.
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٣١ ح ١٦٦٢ ، وسنن النسائي : ٤ / ١٨٦.
(٢) المجموع : ٦ / ٢٦٤ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٥.
(٣) سنن النسائي : ٤ / ١٧٦ ، وصحيح ابن خزيمة : ٣ / ٢٥٩.