وقال أبو رجاء الخراساني : يعني فليدعوني للاجابة وفي اللغة الطّاعة وإعطاء ما يسأل ، يقال : أجابت السماء بالمطر ، واجابت الأرض بالنبات ، كأنّ الأرض سألت السّماء المطر فأعطت ، وسالت السّماء الأرض فأعطت.
وقال زهير
وغيث من الأسمي حقّ قلاعه |
|
أجابت رواسيه النّجا [هواطله] (١) |
يريد أجابت تجمع رواسيه النجا حين سألها المطر وأعطته ذلك.
والاجابة من الله تعالى الإعطاء ومن العبد الطّاعة.
(وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) لكي يهتدوا فان قيل ما وجه قوله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وقوله (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقد يدعي كثيرا فلا يستجيب ، قلنا : اختلف العلماء في وجه الآيتين وتأويلهما.
فقال بعضهم : معنى الدّعاء هاهنا الطّاعة ومعنى الاجابة الثواب كأنّه قال : أجيب دعوة الدّاعي بالثواب إذا أطاعني.
وقال بعضهم : معنى الآيتين خاص ، وإن كان لفظهما عاما ، تقديرها أجيب دعوة الدّاعي إن شئت وأجيب دعوة الدّاعي إذا وافق القّضاء ، وأجيب دعوة الدّاعي إذا لم يسأل محالا ، وأجيب دعوة الدّاعي إذا كانت الإجابة له خيرا ، يدلّ عليه ما روى أبو المتوكّل عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من مسلم دعا الله عزوجل بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلّا أعطاه الله بها أحدى خصال ثلاث : إمّا أن تعجّل دعوته ، وامّا أن يدّخر له في الآخرة ، وامّا أن يدفع عنه من السوء مثلها» [٥٣] قالوا : يا رسول الله إذا يكثر قال : «الله أكثر» [٥٤] (٢).
وقال بعضهم : هو عام وليس في الآية أكثر من إجابة الدّعوة ، فأمّا إعطاء المنية وقضاء الحاجة فليس مذكور في الآية ، وقد يجيب السّيّد عبده والوالد ولده ثمّ لا يعطيه سؤله فالاجابة كائنة لا محالة عند حصول الدّعوة لمن قوله : أجيب واستجيب خبر والخبر لا يعترض عليه ، لأنّه إذا نسخ صار المخبر كذّابا وتعالى الله عن ذلك ، ودليل هذا التأويل : ما روى نافع عن ابن عمر عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من فتح له باب في الدّعاء فتحت له أبواب الاجابة ، وأوحى الله تعالى إلى داود صلىاللهعليهوسلم : قل للظّلمة لا تدعوني فإنّي أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإنّي إذا أجبت الظالمين لعنتهم» [٥٥].
وقيل : إنّ الله يجيب دعاء المؤمن في الوقت إلّا إنّه يؤخّر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع
__________________
(١) كلمة غير مقروءة والظاهر ما أثبتناه.
(٢) بتفاوت في مسند الشاميين : ٤ / ٥٣ ح ٢٧١٠ ، وزاد المسير لابن الجوزي : ١ / ١٧٣.