وقال أهل المعاني : ابيضاض الوجوه : إشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وثواب الله عزوجل ، واسودادها حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب الله تعالى يدل عليه : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (١). الآية. وقوله : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (٢) ، وقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (٣) ، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) (٤).
ثم بين حالهم ومآلهم فقال (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) ، فيه اختصار يعني : فيقال لهم : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ؟) واختلفوا فيه ؛ فروى الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب أنهم كل من كفر بعد إيمانه بالله يوم الميثاق حين أخرجهم من صلب آدم عليهالسلام وقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٥) ، فيعرفهم الله عزوجل يوم القيامة بكفرهم فيقول : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) يوم الميثاق.
قال الحسن : هم المنافقون أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم ، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وقال يونس بن أبي مسلم : سألت عكرمة عن هذه الآية فقال : لو فسرتها لم أخرج من تفسيرها ثلاثة أيام ، ولكني سأجمل لك : هؤلاء قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم ، مصدقين بمحمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث ، ولما بعث كفروا به ، فذلك قوله (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ).
وقال الآخرون : هم من أهل ملتنا.
قال الحارث الأعور : سمعت عليا رضياللهعنه على المنبر يقول : «إن الرجل ليخرج من أهله فما يؤوب إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به الجنة ، وإنّ الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به النار» [٩٤]. ثمّ قرأ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الآية.
ثم نادى الذين كفروا بعد الإيمان ([أَكَفَرْتُمْ]) ، يدل عليه حديث النبي صلىاللهعليهوسلم : «يأتي على أمتي زمان يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض يسير من الدنيا» [٩٥] (٦).
وقال أبو أمامة الباهلي : هم الخوارج. وقال قتادة : هم أهل البدع كلهم.
ودليل هذه التأويلات قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (٧)
__________________
(١) يونس : ٢٦.
(٢) يونس : ٢٧.
(٣) القيامة : ٢٢.
(٤) القيامة : ٢٤ ـ ٢٢.
(٥) الأعراف : ١٧٢.
(٦) المصنّف : ٨ / ٥٩٣ ، مسند ابن راهويه : ١ / ٤٠١.
(٧) الزمر : ٦٠.