الآية ، لعلمه فيهم أن كثيرا منهم سيؤمنون ، يدلّ عليه ما روى أبو بكر بن عياش ، عن حميد ، عن أنس قال : لمّا كان يوم أحد شجّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم في فوق حاجبه وكسرت رباعيته وجرح في وجهه ، فجعل يمسح الدم في وجهه ؛ وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربّهم» (١) ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ، وقال سعيد بن المسيّب. والشعبي. ومحمد بن إسحاق بن يسار : لمّا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اشتدّ غضب الله على من دمى وجه نبيّه» (٢). علت عالية من قريش على الجبل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «[اللهم إنه] لا ينبغي لهم أن يعلونا» ، فأقبل عمر ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم ، ونهض رسول الله إلى صخرة ليعلوها وقد كان ظاهر بين درعين فلم يستطع ، فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوجب طلحة الجنة» (٣) ، فوقفت هند والنسوة معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجدعنّ الآذان والأنوف ، حتى أخذت هند من ذلك قلائد وأعطتها وحشيّا ، وبقرت من كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع فلفظتها ، ثم علت صخرة مشرفة فصرخت :
نحن جزيناكم بيوم بدر |
|
والحرب بعد الحرب ذات سعر |
ما كان من عتبة لي من صبر |
|
أبي وعمي وأخي وبكري |
شفيت صدري وقضيت نذري |
|
شفيت وحشي من غليل صدري (٤) |
قالوا : وقال عبد الله بن الحسن : قال حمزة : اللهم إن لقينا هؤلاء غدا فإنّي أسألك أن يقتلوني ويبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني ، فتقول لي يوم القيامة : فيم فعل بك هذا؟ فأقول : فيك. فلمّا كان يوم أحد قتل فبقر بطنه وجدعت أذنه وأنفه ، فقال رجل سمعه : أمّا هذا فقد أعطي في نفسه ما سأل في الدنيا ، والله يعطيه ما سأل في الآخرة.
قالوا : فلمّا رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون ما بأصحابهم من جدع الآذان والأنوف وقطع المذاكير ، قالوا : لئن أدالنا الله عليهم لنفعلنّ بهم مثل ما فعلوا ، ولنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قطّ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال عطاء : قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أحد أربعين يوما يدعو على أربعة من ملوك كندة : مسرح ، وأحمد ، ولحي ، وأخيهم العمردة ، وعلى معن من هذيل ، يقال لهم : لحيان ، وعلى بطون من سليم وعلى ذكوان وعصبة والقارة ، وكان يقول : «اللهم أشدد وطاءك على مضر
__________________
(١) مسند أحمد : ٣ / ١٧٩.
(٢) تاريخ الطبري : ٢ / ٢٠١.
(٣) تفسير الطبري : ٤ / ١٨٢.
(٤) عيون الأثر : ١ / ٤٢٤ ، والبداية والنهاية : ٤ / ٤٢ مع تفاوت في عجز البيت الثاني.