الأنفال ، ثم قال : واستعينوا بالله وتوكلوا عليه (لِيَقْطَعَ طَرَفاً). نظم الآية : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ... لِيَقْطَعَ طَرَفاً) ، أي : ليهلك طائفة (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) نظيره قوله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) أي : أهلك ، وفي الأنفال : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٢) ، وفي الحجر : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (٣) ، السديّ : معناه ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقتل من سادتهم وقادتهم يوم بدر سبعين ، وأسر منهم سبعين.
(أَوْ يَكْبِتَهُمْ) بالخيبة (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) لم ينالوا شيئا ممّا كانوا يرجون من الظفر بكم.
وقال الكلبي : (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) : أو يهزمهم بأن يصرعهم لوجوههم. المؤرّخ : يخزيهم. النضر بن شميل : يغيظهم ، المبرّد : يظفر عليهم ، السديّ : يلعنهم ، أبو عبيدة : يهلكهم ، قالوا : وأهل النظر [يرون] (٤) التاء منقلبة عن الدال ، لأن الأصل فيه يكبدهم ، أي : يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ ، يقال : قد أحرق الحزن كبده ، وأحرقت العداوة كبده ، ويقول العرب للعدوّ : أسود الكبد ، قال الأعشى :
فما أجشمت من إتيان قوم |
|
هم الأعداء والأكباد سود (٥) |
كأنّ الأكباد لمّا احترقت بشدّة العداوة اسودّت ، والتاء والدال يتعاقبان ، كما يقال : هرت الثوب وهرده ، إذا خرقه ، يدل على صحة هذا التأويل قراءة لاحق بن حميد : أو يكبدهم ، بالدّال.
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية ، فقال عبد الله بن مسعود : أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يدعوا على المدبرين عنه من أصحابه يوم أحد ، وكان عثمان منهم ، فنهاه الله عزوجل عن ذلك وتاب عليهم ، فأنزل هذه الآية ، وقال عكرمة وقتادة : أدمى رجل من هذيل يقال له عبد الله بن قمية وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، فدعا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان حتفه أن سلّط الله عليه تيسا فنطحه حتى قتله.
وشجّ عتبة بن أبي وقاص رأسه ، وكسر رباعيته فدعا عليه ، وقال : «اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا» قال : وما حال عليه الحول حتى مات كافرا ، فأنزل الله هذه الآية (٦).
وقال الكلبي والربيع : نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، وقد شجّ في وجهه وأصيبت رباعيته ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يلعن المشركين ويدعو عليهم ، فأنزل الله عزوجل هذه
__________________
(١) سورة الأنعام : ٤٥.
(٢) سورة الأنفال : ٧.
(٣) سورة الحجر : ٦٦.
(٤) زيادة عن المسير : ٢ / ٢٧.
(٥) زاد المسير : ٢ / ٢٧ ، وتاج العروس : ٨ / ٢٢٩.
(٦) تفسير الطبري : ٤ / ١١٧.