(وَيَأْتُوكُمْ) من المشركين ، (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) (١) قال عكرمة والحسن وقتادة والربيع والسدي وابن زيد : من وجههم هذا ، وهو رواية عطية عن ابن عباس. مجاهد والضّحاك وزاذان : من غضبهم هذا ، وكانوا قد غضبوا يوم أحد ليوم بدر ممّا لقوا ، وأصل الفور : القصد إلى الشيء والأخذ فيه بحدّه ، وهو من قولهم : فارت القدر تفور فورا وفورانا إذا غلت (وَفارَ التَّنُّورُ) (٢) ، قال الشاعر :
تفور علينا قدرهم فيديمها |
|
ويفثأها عنا إذا حميها غلا |
(بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب : بكسر الواو ، واختاره أبو حاتم ، وقرأ الباقون : بالفتح ، واختاره أبو عبيد ، فمن كسر الواو أراد أنّهم سوّموا خيلهم ، ومن فتح أراد به أنفسهم ، والسّومة : العلامة التي يعلّم بها الفارس نفسه في الحرب ، واختلفوا في هذه السّمة الموصوفة بها الملائكة في هذه الآية ما هي ، فقال عمير بن إسحاق : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه يوم بدر : «تسوّموا ، فإن الملائكة قد تسوّمت (٣) بالصوف الأحمر في قلانسهم ومغافرهم».
الضحاك وقتادة : [بالعهن] (٤) في نواصيها وأذنها. مجاهد : كانت مجزوزة أذناب خيلهم وأعرافها ونواصيها [معلّمة] ، الربيع : كانوا على خيل بلق ، عليّ وابن عباس رضياللهعنهم : كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم ، هشام بن عروة الكلبي : عمائم صفر مرخاة على أكتافهم.
وقال عبد الله بن الزبير : إن الزبير كانت عليه ملاءة صفراء وعمامة صفراء يوم بدر ، فنزلت الملائكة يوم بدر مسوّمين بعمائم صفر (٥).
وروى الزبير بن المنذر عن جدّه أبي أسيد وكان بدريّا قال : لو كان بصري فرّج عنه ، ثم ذهبتم معي إلى بدر لأريتكم الشعب التي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر قد طرحوها بين أكتافهم (٦) ، وقال عكرمة : كانت عليهم سيماء القتال ، السديّ : سيماء المؤمنين.
(وَما جَعَلَهُ اللهُ) يعني : هذا الوعد والمدد (إِلَّا بُشْرى) لتستبشروا به. (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ) ولتسكن قلوبكم إليه ، فلا تجزع من كثرة عدوّكم وقلّة عددكم.
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لأن العزّ والحكم له وهو : (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) نظيرها في
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٢٥.
(٢) سورة هود : ٤٠ ، سورة المؤمنون : ٢٧.
(٣) المصنف : ٨ / ٣٤٦ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٩٦.
(٤) العهن : الصوف المصبوغ ألوانا.
(٥) كنز العمال : ١٠ / ٤٥.
(٦) تفسير الطبري : ٤ / ١٠٩.