(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) يعني في العسر واليسر والشدة والرخاء ، فأول خلق من أخلاقهم الموجدة هو الحب والسخاء ، ولهذا أخبرنا أحمد بن عبد الله ، [ثنا زيد بن عبد العزيز أبو جابر ثنا جحدر ثنا بقية ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم] (١) : «الجنة دار الأسخياء» (٢).
وروى الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار ، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار» [١١٤] (٣).
(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) آية بينة على الواحد أراد مقام إبراهيم وحده ، وقال : أثر قدميه في المقام آية بينة.
وقرأ الباقون : (آياتٌ) بالجمع أرادوا مقام إبراهيم والحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر ، وقد مضى ذكر مقام إبراهيم في سورة البقرة (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) من أن يهاج فيه ، لأنه حرم ، وذلك بدعاء إبراهيم عليهالسلام حيث قال : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (٤) وكان في الجاهلية من دخله ولجأ إليه آمن من الغارة والقتل ولم يزده الإسلام إلّا شدة.
وكتب أبو الخلد إلى ابن عباس : أن أول من لاذ بالحرم الحيتان الصغار والكبار هربا من الطوفان ، وقيل : (مَنْ دَخَلَهُ) عام عمرة القضاء مع محمد صلىاللهعليهوسلم (كانَ آمِناً) دليله قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٥).
وقال أهل المعاني : صورة الآية خبر ومعناها أمر تقديرها : ومن دخلوه فأمنوه ، كقوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (٦) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. وقيل : (وَمَنْ دَخَلَهُ) لقضاء النسك معظما له عارفا لحقه متقربا إلى الله عزوجل (كانَ آمِناً) يوم القيامة وهذا كقوله صلىاللهعليهوسلم : «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» (٧) [١١٥] أي في نهار يوم القيامة.
يدل عليه ما روى جويبر عن الضحاك (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) يقول : من حجه ودخله كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك.
__________________
(١) زيادة عن الثقات لابن حبان : ٨ / ٣٥.
(٢) مسند الشهاب : ١ / ١٠٢ والموضوعات لابن الجوزي : ٢ / ١٨٥.
(٣) سنن الترمذي : ٣ / ٢٣١ ، ح ٢٠٢٧.
(٤) سورة البقرة : ١٢٦.
(٥) سورة الفتح : ٢٧.
(٦) سورة البقرة : ١٩٧.
(٧) مسند الشهاب ـ ابن سلامة ـ : ١ / ٢٥٢.