إمضائه يردّون غيظهم وحزنهم إلى أجوافهم ويصبرون فلا يظهرون ، وأصل الكظم : حبس الشيء عن امتلائه ، يقال : كظمت القربة إذا ملأتها ، وما يقال لمجاري الماء : كظائم ، لامتلائها بالماء وأخذ بها كظامة ، ومنه قيل : أخذت بكظمه ، يعني بمجاري نفسه ، ومنه كظم الإبل وهو حبسها جررها في أجوافها ولا تجتر ، وإنما يفعل ذلك من الفزع والجهل.
قال أعشى باهلة يصف رجلا نحّارا للإبل وهي تفزع منه :
قد تكظم البزل (١) منه حين تبصره |
|
حتى تقطع في أجوافها الجرر (٢) |
ومنه قيل : رجل كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئا غضبا وغما وحزنا. قال الله تعالى : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (٣) وقال : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (٤) وقال : (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٥) وقال : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) (٦).
وقال عبد المطلب بن هاشم :
فحضضت قومي فاحتبست قتالهم |
|
والقوم من خوف المنايا كظم (٧) |
وفي الحديث : «ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ مكظومة» [١٤٣] (٨).
وروى سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كظم الغيظ وهو يقدر على إنفاذه دعاه الله يوم القيامة على رؤس الخلائق حتى يخيّره من أي الحور يشاء» [١٤٤] (٩).
أنشدنا أبو القاسم محمد بن حبيب قال : أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال : أنشدنا ابن أبي الزنجي ببغداد قال : أنشدنا العرجي :
وإذا غضبت فكن وقورا كاظما |
|
للغيظ تبصر ما تقول وتسمع |
فكفى به شرفا تصبر ساعة |
|
يرضى بها عنك الإله وترفع (١٠) |
أي يرفع قدرك.
__________________
(١) البزل : جمع بازل وهي البعير الذي دخل في التاسعة وفطر نابه.
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٠٦.
(٣) سورة يوسف : ٨٤.
(٤) سورة النحل : ٥٨.
(٥) سورة القلم : ٤٨.
(٦) سورة غافر : ١٨.
(٧) تفسير القرطبي : ٩ / ٢٤٩.
(٨) لسان العرب : ١ / ٦١٧.
(٩) سنن الترمذي : ٣ / ٢٥١ ، ح ٢٠٩٠.
(١٠) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٠٨.