(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) ، روى عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اشتد علينا الخوف أرسل الله علينا النوم ، والله لا نسمع قول مصعب بن عمير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلّا كالحلم يقول : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) ، فأنزل الله تعالى (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) يا معشر المؤمنين وأهل اليقين ، (أَمَنَةً) يعني أمنا ، وهي مصدر كالعظمة والغلبة ، وقرأ ابن محيصن : أَمْنَةً بسكون الميم.
(نُعاساً) بدل من الأمنة (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) ، قرأ ابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : (تغشي) بالتاء ردا إلى الأمنة ، وقرأ الباقون : بالياء ردا إلى النعاس ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، قال أبو عبيد : لأن النعاس يلي الفعل ، فالتذكير أولى به ممّا بعد منّه.
قال ابن عباس : آمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد فرق ، وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام ، ونظيره في سورة الأنفال في قصة بدر.
روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلّا وهو يميد تحت جحفته من النعاس.
قال أبو طلحة : وكنت ممّن ألقي عليه النعاس يومئذ ، وكان السيف يسقط من يدي فآخذه ، ثم يسقط السوط من يدي من النوم فآخذه.
(وَطائِفَةٌ) يعني المنافقين ، وهب بن قشير وأصحابه ، وهو رفع على الابتداء وخبرها في قوله : (يَظُنُّونَ ... قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) أي حملتهم على الهمّ ، يقال : أمر مهم ، ومنه قول العرب : همّك ما أهمّك.
(يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) أي لا ينصر محمدا ، وقيل : ظنوا أن محمدا قد قتل (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) أي كظن أهل الجاهلية والشرك (يَقُولُونَ هَلْ لَنا) أي ما لنا ، لفظ استفهام ومعناه هل (مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) يعني النصر (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).
قرأ أبو عمرو ويعقوب : (كُلُّهُ) على الرفع بالابتداء وخبره في قوله : (لِلَّهِ) وصار هذا الابتداء والجملة خبرا لإنّ ، كما يقول : إن عبد الله وجهه حسن ، فيكون عبد الله مبتدأ ووجهه ابتداء ثانيا وحسن خبره ، وجملة الكلام خبر للابتداء الأول.
وقرأ الباقون : (كُلَّهُ) بالنصب على البدل ، وقيل : على النعت.
وروى مجاهد عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) يعني به التكذيب بالقدر ، وذلك أنّهم يظنوا في القدر ، فقال الله عزوجل : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) يعني القدر خيره وشرّه من الله وهو قولهم : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا