وصفته ، وأنّه لا تردّ له راية ، وأرادوا تصديقه واتّباعه ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى الى وقفة أخرى به ، فلمّا كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم شكّوا وقالوا : لا والله ما هو به فغلب عليهم الشقاء ولم يسلموا ، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد الى مدة لم تنقض فنقضوا ذلك العهد من أجله.
وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا الى أهل مكّة ، أبي سفيان وأصحابه ، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لتكون كلمتنا واحدة ، ثم رجعوا الى المدينة ، فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله لمّا أصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا ببدر ، وقدم الى المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال : «يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم قد عرفتم إنّي نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» [١١] (١).
فقالوا : يا محمّد لا يغرنّك أن لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة ، لك والله لو قاتلناك لعرف منا البأس ، فأنزل الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (٢) : يعني اليهود (سَتُغْلَبُونَ) وتهزمون (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة ، وهذه رواية عكرمة ، وسعيد بن جبير عن أبن عباس.
قال : أهل اللغة اشتقاق جهنّم من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر.
(وَبِئْسَ الْمِهادُ) يعني النار (قَدْ كانَ) ولم يقل كانت ؛ لأنّ (آيَةٌ) تأنيثها غير حقيقي ، وقيل : ردّها الى البيان أي : قد كان لكم بيان فذهب الى المعنى وترك اللفظ كقول امرؤ القيس :
برهرهة رأدة رخصة |
|
كخرعوبة البانة المنقطر (٣) |
ولم يقل المنفطرة ؛ لأنّه ذهب الى القضيب ، وقال الفراء : ذكّره ؛ لأنّه فرق بينهما بالصفة فلما حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث ذكّر الفعل وأنّثه :
إنّ امرؤا غرّه منكره واحدة بعدي |
|
وبعدك في الدنيا لمغرور |
وكل ما جاء في القرآن من هذا النحو ، فهذا وجهه ، فمعنى الآية (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) : أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول لكم (سَتُغْلَبُونَ).
__________________
(١) أسباب نزول الآيات : ٦٢.
(٢) سورة آل عمران : ١٢.
(٣) الصحاح : ١ / ١١٩.