ووقع في النزع (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) فحينئذ لا يقبل من كافر إيمانه ولا من عاص توبته (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ) موضع (الَّذِينَ) خفض يعني ولا الذين يتوبون (وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي هيّئنا ، والاسم منه العتاد.
قال عدي بن الرقاع :
تأتيه أسلاب الأعزة عنوة |
|
قسرا ويجمع للحروب عتادها (١) |
وقال للفرس المعد للحرب : عتّد وعتد.
وقال الشاعر الجعفي :
حملوا بصائرهم على أكتافهم |
|
وبصيرتي يعدوا بها عتد وأي (٢) |
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) أي على كره منهن.
قال المفسرون : كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام ، إذا مات رجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من جنسه فيلقي ثوبه على تلك المرأة أو على خبائها ، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق ، إلّا بالصداق الأول الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ، ولم يعطها منه شيئا ، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج فطوّل عليها وضارها ، لتفتدي نفسها بما ورثت من الميت ، أو تموت هي فيرثها ، وإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بنفسها ، فكانوا يفعلون ذلك حتى توفى أبو قيس بن صلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها يقال له : (حصن).
وقال مقاتل بن حيان : اسمه قيس بن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ، ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارّها بذلك لتفتدي بمالها ، وكذلك كانوا يفعلون إذا ورث أحدهم نكاحها ، فإن كانت جميلة موسرة دخل بها ، وإن لم تكن جميلة طوّل عليها لتفتدي منه ، فأتت كبيشة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : يا رسول الله إن أبا قيس توفى وورث نكاحي ابنه وقد أضرّني حصن وطوّل عليّ فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلي سبيلي ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله» [٢٦٥] قالت : فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة ، فأتين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في مسجد الفضيح فقلن : يا رسول الله ما نحن إلّا كهيئة كبشة غير أننا لم ينكحنا الأبناء وينكحنا بنو العم فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ) الآية (٣).
__________________
(١) الاسلاب : ما يسلب من الحرب ، والبيت في تفسير مجمع البيان : ٣ / ٤٢.
(٢) تفسير الطبري : ٧ / ٣٩٦ ، تفسير القرطبي : ٧ / ٥٧.
(٣) أسباب النزول : ٩٨.