(قائِماً بِالْقِسْطِ) : أي بالعدل ونظام الآية «شهد الله قائما بالقسط». وهو نصب على الحال.
وقال الفرّاء : هو نصب على القطع كأن أصله القائم ، وكذلك هو في (عبد الله) فلما قطعت الألف واللام نصب لقوله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) (١).
وقال أهل المعاني في قوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) : أي مدبّر ، رازق ، مجازي بالأعمال كما يقال : فلان قائم بأمري : أي مدبّر له متعهد لأسبابه ، وقائم بحق فلان : أي بحاله.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : كرّر ؛ لأنّ الأولى حلت محل الدعوى ، والشهادة الثانية حلت في محل الحكم.
وقال جعفر الصّادق : الأولى [وصف وتوحيد] والثانية رسم وتعليم يعني قولوا : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) : يعني [بالدين الطاعة والملّة] لقوله : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣).
وفتح الكسائي ومحمد بن عيسى الاصفهاني ألف (إنّ) ردا على (أنّ) الأولى في قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ) يعني : شهد الله أنّه ، وشهد أن الدين عند الله الإسلام ، وكسر الباقون على الابتداء. والإسلام [من السلم : الإيمان و] الطاعة يقال : أسلم أي : دخل في السلم. وذلك كقولهم : أستى وأربع وأمحط واخبت : أي دخل فيها.
سفيان : قال قتادة : في قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) قال : [شهادة] أن لا إله إلا الله. والإقرار بأنّها من عند الله ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه ، وبعث به رسله ودلّ عليه أولياءه ولا يقبل غيره ولا جزى إلّا به.
(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية ، قال الربيع : إنّ موسى عليهالسلام لما حضرته الوفاة دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل ، واستودعهم التوراة ، وجعلهم أمناء عليها ، واستخلف يوشع بن نون.
فلمّا مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم ، وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين حتى أوقعوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والإختلاف وذلك (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) يعني : بيان ما في التوراة (بَغْياً بَيْنَهُمْ) : أن طلبها للملك والرئاسة والتحاسد والمناقشة ؛ فسلط الله عليهم الجبابرة.
__________________
(١) سورة النحل : ٥٢.
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٤٣.
(٣) سورة المائدة : ٣.