الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) : ملك النفس حتى يغلبه هواه ويتخذه إلها. كما قال الله عزوجل (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (١).
وقال الشاعر :
ملكت نفسي فذاك ملك |
|
ما مثله للأنام ملك |
فصرت حرا بملك نفسي |
|
فما لخلق عليّ ملك. |
آخر :
من ملك النفس فحر [ضاهي] (٢) |
|
والعبد من يملكه هواه |
وقيل : هو ملك العافية. قال الله تعالى : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) (٣)
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أصبح منكم آمنا في سربه. معافى في بدنه ، وعنده قوت يومه ؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [٣٩] (٤).
وقيل : هو القناعة. قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ملوك أمتي القانع يوما بيوم ، فمن أوتي ذلك فلم يقبله بقبوله ولم يصبر عليه شاكرا قصر عمله ، وقل عقله» [٤٠].
وعن ابن المبارك قال : دخلت على سفيان الثوري بمكة ، فوجدته مريضا شارب دواء ، وبه غم شديد فسلمت عليه ، وقلت : ما لك يا عبد الله؟ فقال : أنا مريض شارب دواء وبي غم شديد ، فقلت : أعندك بصلة؟ قال : نعم ، فقلت : آتيني بها فأتاني بها ، فكسرتها ثم قلت : شمّها فشمّها ؛ فعطس عند ذلك فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فسكن ما به ، فقال لي : يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب. أو قال : عالم وطبيب ، فقلت له : مجرّب يا أبا عبد الله. قال : فلمّا رأيته سكن ما به وطابت نفسه. قلت : إني أريد أن أسألك حديثا. فقال : سل ما شئت.
فقلت : أخبرني ما الناس؟ قال : الفقهاء. قلت : فما الملوك؟ قال : الزّهاد. قلت : فما الأشراف؟ قال : الأتقياء. قلت : فما الغوغاء؟ قال : الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس. قلت له : أخبرني رحمك الله : ما السفلة؟ قال : الظلمة. ثم ودّعته وخرجت من عنده. قال : يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنه موجود رخيص قبل أن يغلوا فلا يوجد بالثمن.
وقال عبد العزيز بن يحيى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) : يعني الملك على المهين وقهر الشيطان. كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم» [٤١] (٥).
__________________
(١) سورة الجاثية : ٢٣.
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) سورة المائدة : ٢٠.
(٤) سنن الترمذي : ٤ / ٥.
(٥) مسند أحمد : ٣ / ١٥٦.