قال الله فقولي : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (١) : أي أوجبت.
وقال النّبي صلىاللهعليهوسلم : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» [٤٥].
قال الأعشى :
غشيت لليلي بليل خدورا |
|
وطالبتها ونذرت النذورا (٢) |
ومن هذا قولهم : نذر فلان دم فلان : أي أوجبت على نفسه قتله.
وقال جميل :
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي |
|
وحموا لقائي يابثين لقوني |
(مُحَرَّراً) : أي عتيقا خالصا لله خادما للكنيسة حبيسا عليها مفرغا لعبادة الله ولخدمة الكنيسة ، لا يشغله شيء من الدنيا وكلّما أخلص فهو محرّر ، يقال : حرّرت العبد إذا أعتقته ، وحرّرت الكتاب إذا أخلصته وأصلحته فلم يبق فيه ما يحتاج إلى إصلاحه ، ورجل حرّ إذا كان خالصا لنفسه ليس لأحد عليه متعلق ، والطين الحر الذي خلص من الرمل والحصاة والعيوب.
و (مُحَرَّراً) : نصب على الحال.
وقال الكلبي وابن إسحاق وغيرهما : فإن الحر رجل إذا حرّر وجعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم ، ثم يخيّر فإن رغب أن يقيم فيها أقام ، وإن أحبّ أن يذهب ذهب حيث شاء ، فإن أراد أن يخرج بعد التخير لم يكن له ذلك ، ولم يكن أحد من [الأنبياء] والعلماء إلّا ومن نسل محرّرا ببيت المقدس ، ولم يكن محرّرا إلّا الغلمان ، وكانت الجارية لا تكلف ذلك ولا تصلح له لمّا يمسها من الحيض والأذى ، فحرّرت أمّ مريم ما في بطنها.
وكان القصة في ذلك أنّ زكريّا وعمران تزوجا أختين ، وكانت إيشاع (٣) بنت فاقود أم يحيى عند زكريّا وحنّة بنت فاقود أم مريم عند عمران ، وقد كان أمسك على حنّة الولد حتى أيست وعجزت ، وكانوا أهل بيت من الله بمكان ، فبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا فتحركت لذلك شهوتها للولد ، ودعت الله أن يهب لها ولدا وقالت : اللهم لك عليّ إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه نذرا وشكرا ، فحملت بمريم فحرّرت ما في بطنها ولا تعلم ما هو ، فقال لها زوجها : ويحك ما صنعت! أرأيت إن كان ما في
__________________
(١) سورة مريم : ٢٦.
(٢) تاريخ دمشق : ٢٠ / ١٤٠ ط دار الفكر ، وديوان الأعشى : ٨٨ ط بيروت.
(٣) لسان العرب : ١٢ / ١٥١.