قال : فهل يعلم عيسى من ذلك إلّا ما علّم؟
قالوا : لا.
قال : فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون إنّ عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة حملها ، ثم غذي كما يغذى الصبي ، وكان يطعم ويشرب ويحدث ، قالوا : بلى. قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا.
فأنزل الله تعالى فيهم صدر سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها.
فقال عزّ من قائل : (الم) قرأ ابن جعفر بن زبير القعقاع المدني ا ل م مفصولا ، ومثلها جميع حروف التهجّي المفتح بها السور.
وقرأ ابن جعفر الرواسي والأعشى والهرحمي : (الم اللهُ) مقطوعا والباقون موصولا مفتوح الميم. فمن فتح الميم ووصل فله وجهان :
قال البصريون : لالتقاء الساكنين حركت إلى أخف الحركات.
وقال الكوفيون : كانت ساكنة ؛ لأن حروف الهجاء مبنية على الوقف فلمّا تلقاها ألف الوصل وأدرجت الألف فقلبت حركتها وهي الفتحة الى الميم.
ومن قطع فله وجهان :
أحدهما : نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء ، كقول الشاعر :
لتسمعنّ وشيكا في ديارهم |
|
الله أكبر يا ثارات عثمانا (١) |
والثاني : أن يكون أجراه على لغة من يقطع ألف الوصل.
كقول الشاعر :
إذا جاوز الاثنين سرّ |
|
فإنه بنت وتكثير الوشاة قمين (٢) |
ومن فصل وقطع فللتفخيم والتعظيم تعالى (اللهُ) ابتداء وما بعده خبر ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) نعت له ، (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) قرأ إبراهيم بن أبي عبلة : نَزَلَ بتخفيف (الزاي) ، الْكِتابُ : برفع الباء ، وقرأ الباقون : بتشديد الزاي ونصب الباء على التكثير ؛ لأنّ القرآن كان ينزل نجوما شيئا بعد شيء والتنزيل يكون مرّة بعد مرّة ، وقال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ؛ لأنهما نزلتا
__________________
(١) البداية والنهاية : ٧ / ٢١٩ وتاج العروس : ٣ / ٧٠.
(٢) الصحاح : ١ / ٢٩٤.