(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) : نزّه إبراهيم عليهالسلام وبرّأه من ادعائهم فقال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) : فالحنيف الّذي يوحّد ويحج ويضحّي ويختن ويستقبل القبلة وهو أسهل الأديان وأحبّها إلى الله وأهله أكرم الخلق على الله.
(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) : قال ابن عباس : قال رؤساء اليهود : والله يا محمد لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك ، وأنّه كان يهوديا وما بك إلّا الحسد لنا ، فأنزل الله هذه الآية (١).
روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رفعه. دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا : لما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، وكان من أمر بدر ما كان اجتمعت قريش في دار الندوة ، وقالوا : إنّ لنا في الّذين عند النجاشي من أصحاب محمد ثأرا بمن قتل منكم ببدر. فاجمعوا مالا وهدوه إلى النجاشي لعلّه يدفع إليكم من عنده من قومكم ، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم.
فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط بالهدايا ، الأدم وغيره. فركبا البحر وأتيا الحبشة ؛ فلمّا دخلا على النجاشي سجدا له ، وسلّما عليه وقالا له : إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبّون ، وإنّهم بعثونا إليك ؛ لنحذّرك هؤلاء القوم الّذين قدموا عليك لأنّهم قوم رجل كذّاب خرج فينا فزعم أنّه رسول الله ، ولم يبايعه أحد منّا إلا السفهاء وإنّا كنّا قد ضيّقنا عليهم الأمر. وألجأناهم إلى شعب أرضنا لا يدخل إليهم أحد. ولا يخرج منهم أحد. قد قتلهم الجوع والعطش. فلما اشتد عليه الأمر. بعث إليك ابن عم له ليفسد عليك دينك وملكك ورعيّتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا : وآية ذلك أنّهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها النّاس رغبة عن دينك وسنّتك.
قال : فدعاهم النّجاشي فلمّا حضروا صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله. فقال النّجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه. ففعل جعفر. فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان الله وذمّته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه. فقال : ألا تسمع كيف يدخلون بحزب الله وما أجابهم النجاشي. فساءهما ذلك ، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له.
فقال عمرو : ألا ترى إنّهم يستكبرون أن يسجدوا لك. فقال لهم النّجاشي : ما منعكم ألّا تسجدوا لي وتحيّوني بالتحيّة التي يحيّيني بها من أتى من الآفاق. قالوا : نسجد لله الّذي خلقك
__________________
(١) أسباب النزول للواحدي : ٦٨.