نعم ؛ إذا كان الموضوع من العبادات ـ أعني ما لا تصحّ شرعا إلّا بالنيّة ـ فهي أيضا توقيفيّة ، موقوفة على الثبوت من الشرع بالبديهة ، إذ هي هيئة مستحدثة من الشرع ، فكيف يمكن معرفتها من غير الشرع؟
وجميع ما ذكر مسلّم عند الأخباريّين والمجتهدين لبداهة وضوح أدلّته.
ثمّ اعلم! أيضا أنّ الحكم الشرعي لا يجوز المسامحة فيه ، ولا يبتنى على الظنّ ، بل لا بدّ من العلم واليقين بالآيات والأخبار والإجماع والعقل ، لأنّ الحكم الشرعي حقّ من الشارع ، وظننا ظنّ وممّن يجوز عليه الخطأ ، وكون الثاني هو عين الأوّل ، وأنّه هو هو بعينه ، بديهي الفساد ، سيّما على رأي الشيعة من كون حكم الله تعالى واحدا (١) ، على ما نطقت به أخبارهم ، وورد عن الأئمّة عليهمالسلام التشنيع على من قال بتعدّده (٢) ، بحيث لم يخف على علماء أهل السنّة ، فضلا عن الشيعة ، وورد عنهم ـ صلوات الله عليهم ـ أنّه كما كان الله واحدا والرسول واحدا كذلك الشرع والدين ، بل أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته ـ التي يحصل القطع بأنّها منه ، لأنّها فوق كلام المخلوق عند المخالف والمؤالف ـ بالغ في التشنيع عليه (٣).
وبالجملة ؛ كون الظنّ عين الحقّ واليقين بديهي الفساد ، فضلا عن أن يكون من يجوز عليه الخطأ عين من لم يجز عليه ، ومن يكون متشرعا عين الشارع.
فلا بدّ في مقام الحكم شرعا من حصول نفس الحكم الشرعي إن أمكن ، وإلّا فما يقوم مقامه عند الشارع وما هو محسوب لديه مكانه ، وإن وقع الخطأ.
ولا بدّ من ثبوت ذلك أيضا من الشرع بلا شبهة ، ووجهه ظاهر من تلك
__________________
(١) معالم الدين في الاصول : ٢٤١ و ٢٤٢.
(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ١٦٨ الباب ٢٢ ، ١٧٩ الباب ٢٣.
(٣) نهج البلاغة : ١٠٨ و ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٨٤ الحديث ١.