الأدلّة.
والثبوت إن كان من ظنّي فيرجع المحذور ، وهو أنّ ظنّ من يجوز عليه الخطأ ليس نفس الحكم الشرعي بالبديهة ، وكونه قائما مقامه محسوبا مكانه يتوقّف على الثبوت من الشرع قبل ، فيدور أو يتسلسل أو ينتهي إلى العلم واليقين ، وهذا واضح ، ولوضوحه اختار الأخباريّون طريقتهم ، وتحاشوا عن الاجتهاد وحرّموه ، وحرّموا العمل بالظنّ والتقليد في نفس الأحكام ، لكونه مثل الاجتهاد ظنّيا ، ولورود مذمّتهما ، ومنعوا الحاجة إلى شرائط الاجتهاد ، لكونها فرعه ، بل قالوا : يكون الكلّ بدعة و [من] قواعد العامّة.
ومن هذا نسبوا القديمين (١) والمفيد ومن بعدهم إلى ما نسبوا ، وادّعوا علميّة الأحاديث الواردة في الكتب المعتبرة على اختلاف آرائهم في الاعتبار (٢) ، لأنّ بعض تلك الكتب معتبر عند بعضهم دون بعضهم.
وما اختاره الأخباريّون حقّ لا محيص عنه ، بشرطين :
أحدهما : كون مرادهم من العلم معناه المعروف ، وهو الاعتقاد الثابت الجازم المطابق للواقع ، إذ لو كان مرادهم ما يجتمع مع تجويز النقيض ـ على ما ادّعاه بعض متأخّريهم (٣) ـ ليرجع المحذور المذكور جزما ، إذ ما يجوز معه النقيض ليس عين الحكم الشرعي ، لأنّه حقّ ومن الشارع ، وهذا يجوز عليه الخطأ ، وممّن يجوز عليه الخطأ ، وكون أحدهما عين الآخر فيه ما فيه ، وكونه قائما مقامه ومحسوبا مكانه بدليل يجوز خطأه يدور أو يتسلسل ، فلا بدّ من الانتهاء إلى ما لا يجوز خطأه ولا
__________________
(١) هما : ابن الجنيد وابن أبي عقيل.
(٢) الفوائد المدنية : ٥٦.
(٣) الدرر النجفيّة : ٦٣.