بل العاقل الفهم الفطن لعلّه لا يخفى عليه كون الإجماع المذكور حقّا يقينا لا شكّ فيه بعد ملاحظته أنّ أخذ المسائل الشرعيّة من الامور التي تعمّ به البلوى ، ويشتدّ إليه الحاجة ويتوفّر ، بل هو أعمّ تلك الامور بلوى ، بل لا يوجد مثله البلوى به وشدّة الحاجة إليه ، ونهاية وفور الدواعي ؛ لتوقّف جميع ما هو عام البلوى وغير عام البلوى عليه.
وبديهي أنّ أخذها بعنوان الفقاهة والاجتهاد فيه صعوبة ومشقّة تتفاوت [بتفاوت] الأوقات والأزمنة والأحوال والأمكنة ، فإنّ من كان في بلد الشارع وزمان ظهوره وبسط يده في تبليغ الأحكام ، ويكون خاليا عن موانع الوصول إليه والأخذ منه ، لم يكن مثل من لم يكن كذلك ، على تفاوت مراتبهم في البعد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مكانا وزمانا وغيرهما من موانعه إلى أن تبلغ الصعوبة والمشقّة المذكورة أعلى درجاتها.
ومن البديهيّات أنّ الأخذ بعنوان التقليد ليس فيه الصعوبة والمشقّة المذكورة ، ومعلوم يقينا أنّ أحبّ الدين إلى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام السهلة السمحة (١).
فلو كان تقليد الميّت جائزا ، لكان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام يبالغون غاية المبالغة فيه وينشرونه ويشهرونه ، والمكلّفون أيضا في غاية الرغبة والحرص عليه ، لما فيه من السعة وعدم الكلفة والمشقّة.
فلو كان جائزا لاشتهر اشتهار الشمس ، بل صار أشهر من ضروريّات الدين والمذهب ، لما عرفت من كونه أعم بلوى ، بل وفي غاية عموم البلوى ، وشدّة الحاجة وتوفّر الدواعي ، بل لا أقلّ من أن يصير حال الشيعة حال أهل السنّة ، إذ
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٩ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢١٠ الحديث ٥٣٧.