وجماعة الحسن أيضا (١) ، وجماعة القوي أيضا (٢) إلى غير ذلك من المذاهب المتشتّتة التي لا تحصى ، والاستصحاب أيضا وقع بالنسبة إليه ما وقع ، حتّى أنكره جماعة من عظماء المتأخّرين في أمثال زماننا (٣).
فالعامي كيف يمكنه الخروج عن العهدة بالنسبة إلى ما ذكر؟ فضلا عن أن يكون حصل له العلم بحيث يخالف الفقهاء ، ويحكم بفساد ما قالوا من حرمة تقليد الميّت ، بل المجتهد لا يمكنه ذلك ، إذ الأخبار لا تشمل إلّا ما يحكم به الفقيه ويفتي حين ما هو حاكم به ومفت ومعتقد له ، لا ما لا يظنّ ولا يعتقده.
ولذا لو حصل له التردّد ـ بعد ما أفتى ـ والشكّ فيه والتوقّف ، لم يؤمر بتقليده فيما أفتى به سابقا ، بل حرم تقليده لذلك جزما ، ولم يكن فتواه حين الشكّ داخلا في عموم تلك الأخبار جزما ، ولأنّ المفهوم منها ليس إلّا ما ذكرنا ، وهو المتبادر ، وليس الحجّة إلّا ذلك.
مضافا إلى أنّ الإطلاقات لا عموم فيها ، فتنصرف إلى الأفراد المتبادرة خاصّة ، وإذا كان الشاكّ غير داخل ، فكذلك من هو بمعناه ، لأنّ حكم الفقيه ليس إلّا ظنّه ، وهو العلاقة بينه وبين الحكم الشرعي بالبديهة ، فإذا مات انعدم ظنّه بالبديهة ، فانقطعت العلاقة بالبديهة على حسب ما عرفت.
ولو صار هذا الميّت حيّا وقال : زال ظنّي ، لم يكن قوله السابق داخلا في الحجّة ، فما ظنّك بالميّت وكونه داخلا؟ لأنّ المتبادر هو الحيّ ، والظنّ إنّما هو الصورة الحاصلة في ذهنه ، فحين الشدّة والاضطراب حالة النزع لا تبقى تلك الصورة قطعا ، بل وحين النسيان والغفلة أيضا ، فما ظنّك بما بعد الموت؟ حيث صار
__________________
(١) راجع! شرح البداية : ٢٨.
(٢) راجع! شرح البداية : ٢٨.
(٣) منهم صاحب الحدائق الناضرة : ١ / ٥٤.