ذهنه جمادا لا حسّ فيه ، بل وترابا ، فكيف تبقى هذه الصورة؟
لا يقال : لعلّ ظنّه حصل في روحه وهو فارق الجسد.
لأنّا نقول : القدر الثابت المحقّق هو الحاصل في الذهن ليس إلّا وغيره يكون الأصل عدمه ، وبانعدام هذا الذهن انعدم الأمر الثابت جزما ، وحدوثه في ذهن آخر بهذه الصورة يكون الأصل عدمه ، وكذا في الروح والنفس ، بل الثابت عدم الحدوث ، بل إمّا لا ينكشف له إلّا ما كشف الله له ، وإمّا تنكشف الأشياء على النفس ، وهو ـ مع كونه خلاف ما يظهر من الأخبار من أنّ الميّت يخفى عليه الامور (١) ـ ليس تلك الصورة بالبديهة ، ويحتمل الموافقة والمخالفة لما ظنّه على حدّ سواء من دون ترجيح ولا استصحاب ، لأنّ الاستصحاب يشترط فيه وجود الأمر اليقيني وبقاء الموضوع ، واحتمال بقاء ذلك الأمر ، وأيّ فرق بين العدم السابق والعدم اللاحق إذا لم يكن استصحاب؟!
هذا على ما هو ظاهر وبيّن ومحقّق ومسلّم من أنّ الاعتقاد للنفس حادث يحصل في الذهن البتة ، سواء تأثّر الروح أم لا ، إذ لا يتأثّر إلّا بآلة الذهن.
ولو منع ذلك منكر ، نقول : حصول الاعتقاد للنفس حادث يكون الأصل عدمه ، وبمجرّد ثبوت أحد الأمرين لا يتعيّن أحدهما بالبديهة ، والمستفاد من الأدلّة أنّ فتواه حجّة ما دام مفتيا معتقدا لقوله ، ولم يظهر أنّه معتقد ، بل ربّما يكون جازما بخلافه.
فإن قلت : مطابق مظنونه باق.
قلت : على فرض البقاء أيضا لا ينفع ، لأنّه محض احتمال كما لا يخفى ، فليس مستند العامي بالبديهة ، وممّا ذكر ظهر الكلام في الاستصحاب أيضا.
__________________
(١) لاحظ! بحار الأنوار : ٦ / ٢٥٦ و ٢٥٧ الحديث ٨٩ و ٩١ و ٩٣.