وبعد اللتيا واللتي ، كيف يمكن للعامي التمسّك بهما في ردّ الفقهاء؟ ثمّ تقليدهم مع عدم تجويزهم؟!.
لا يقال : حال الميّت لعلّه حال الفقيه الغائب لاحتمال رجوعه.
لأنّا نقول : إجماع المسلمين في الأعصار والأمصار التمسّك بقول الفقيه بعد غيبته عن نظر المقلّد بلا شبهة ، والفقهاء أيضا مجمعون على ذلك ، وأخبارهم ناطقة به ، ودالّة عليه ، والاستصحاب أيضا جار فيه.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم! أنّه إذا لم يمكن الوصول إلى المجتهد الحيّ ، أو لم يكن ، لم يسقط التكاليف بالبديهة عن المقلّدين ، لبقائها بالضرورة من الدين والأخبار المتواترة ، فلا بدّ من الاحتياط مهما أمكن إن قصروا في تحصيل الاجتهاد والمجتهد وإن لم يقصروا فمهما تيسّر ، وإن لم يمكن ويتعسّر بأن يكون القول متعدّدا ولا يمكن الجمع بينها ، يتعيّن لهم العمل بأحدها تخييرا ، إلّا أن يكون أحدها هو المشهور ، فيترجّح لهم اختياره ، لأنّ ما اجتمع عليه الأفكار السليمة أبعد عن الخطأ.
وكذا الحال لو كان أحد الفقهاء عندهم أعلم وأعرف وأوثق ، وإن لم يجدوا إلّا قولا واحدا تعيّن لهم العمل به عينا ، ولا محيص لهم عنه ، لما عرفت من البداهة.
وهذا ليس بتقليد ، بل من باب الاحتياط اللازم لما عرفت ، وهو غير الاجتهاد والتقليد كما لا يخفى ، لأنّ الحكم إن عرف بهما فلا معنى لجعله احتياطا ، فإن لم يعرف ، فإن أدخل في الدين عمدا ، فتشريع حرام ، وإن لم يدخل فيه أصلا ، بل فعل احتياطا للدين ، أو أدخل فيه من جهة أنّه يظهر من العقل والنقل كونه مطلوب الشارع ، فهو احتياط.
والنقل هو الأخبار المتعدّدة مثل قولهم ـ صلوات الله عليهم ـ : «احتط لدينك بما شئت» (١) وغيره ، بل تتبّعها يكشف ـ بعنوان القطع ـ أنّ على كونه المدار
__________________
(١) أمالي الطوسي : ١٠٩ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٦٧ الحديث ٣٣٥٠٩.