الإجماع أنّ مراده إجماع أهل عصر ذلك المخالف ، ودون ظهوره خرط القتاد.
وإن أراد أنّه ربّما ادّعي الإجماع على خلاف ما ادّعي الإجماع عليه ، فما ذكره من التوجيه والتأويل لا يرفع التناقض بالبديهة ، مع أنّ ذلك إنّما هو في نادر من الإجماعات ، وليس النادر قرينة على الغالب فضلا عن الكلّية ، بل يكون مقصورا في موضعه كما هو مسلّم ، وإلّا يلزم خروج الأخبار وكلام اللغوي وغير ذلك عن الحجيّة ، بل كثر في الأخبار الخروج عن الظاهر ، وكلام أهل العرف استعمال الأمر في المستحب والعام في الخاص إلى أن اشتهر : «ما من عامّ إلّا وقد خصّ» ، فإذا كان هذا حال الغالب ، فما ظنّك بالنادر؟
وممّا ذكر ظهر فساد ما ارتكبه بعض الفقهاء ، من تأويل خصوص الإجماع الذي ظهر فيه مخالف بأنّ المراد ما ذكره المصنّف أو الشهرة أو غيرهما (١) ، فإنّ ذلك صدر منه غفلة بلا شكّ وشبهة ، وقلّده غيره غفلة كذلك.
فإن قلت : فما العذر في الإجماعات المتعارضة؟
قلت : قد عرفت أنّ الإجماع ليس اتّفاق الكلّ ، ومعلوم أنّ الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ قد كثر منهم الأحكام المتعارضة ، ولذا لا يكاد يوجد خبر بغير معارض ، بل وربّما تصدر اختلافات متعدّدة في مسألة واحدة.
فربّما صرّحوا لطائفة حكما ، وشاع وذاع ذلك بينهم ، بحيث يحصل القطع بأنّه من إمامهم ، وصرّحوا لطائفة اخرى خلافه ، فشاع وذاع إلى أن حصل القطع بأنّه من إمامهم.
ألا ترى أنّهم عليهمالسلام منعوا عن العمل بالظنّ في الأحكام الشرعيّة ، كلّ ظنّ يكون ، خبر الواحد يكون أو غيره ، وبالغوا في ذلك ، وجعلوا ذلك منشأ لاحتياج
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ١ / ٤٩.