مع أنّك عرفت أنّ الآية والأخبار لا تخلوان عن الظنّ ، ومستند اليقين لا يكون ظنّا ، مع أنّ القطع بالإجماع حاصل مع قطع النظر عن الأدلّة ، بل القطع حاصل للعوام والكفّار (١) ، ولا اطّلاع لهم بحديث ولا آية ولا غيرهما.
مع أنّا نعرف قطعا أنّ أهل السنّة ـ مثلا ـ مجمعون على خلافة أبي بكر وفلان وفلان من غير أن نعرفهم بأشخاصهم وأنسابهم ، ولا نعرف بلدانهم وأقطارهم فضلا عن أهلهما ، بل الذين وجدنا منهم ربّما لم نسمع منهم ما ذكر أصلا ، وإن سمعنا من نادر منهم ، فربّما لا نسمع جميع عقائدهم.
وما ذكره من أنّ الحكم إن صدر. إلى آخره ، فيه ؛ أنّه لا شكّ في صدوره ، إلّا أنّه لم يصل إلينا بعنوان الحديث كما عرفت ، لأنّ الإجماع عندنا هو الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم عليهالسلام ، ولا شكّ في أنّ قول المعصوم عليهالسلام حديث وصل إلينا بوساطة الإجماع وظهر لنا من جهته ، وإن كان لفظ الحديث بعنوان الإطلاق صار مصطلحا فيما وصل إلينا بنحو المعنعن ، وجلّه بل كلّه مكتوب في الكتب ، مضبوط مودع فيها ، وليس طريق الوصول منحصرا في الثاني بالبديهة.
وذلك لأنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذا الأئمّة عليهمالسلام ، وكذا كلّ صاحب الشرع ، وكذا كلّ مجتهد إذا صدر منهم حكم صريح ، فجميع من تبعهم ليس بيدهم دواة وقلم يكتب ذلك بعنوان الحديث ، وينقل للآخر بعنوان الحديث ، إذ لو كان كذلك ، لكان كلّ واحد واحد من أحكامهم يصل إلى الكلّ بعنوان الخبر المتواتر الذي لا يحصى عدد كلّ واحد واحد من كلّ واحد واحد من طبقات السند ، وبالبديهة لم يوجد مثل هذا التواتر أصلا فضلا عمّا ذكر.
بل دأبهم التلقّي بالقبول في القلوب ، والارتكاب في الأعمال ، والنقل
__________________
(١) لم ترد في (ط) : الكفّار.