قوله : (والوطن ما يكون). إلى آخره.
لا يخفى أنّ الأصل في الصلاة هو الإتمام ، وهو الذي وضع الله تعالى الصلاة عليه ، والقصر لا يكون إلّا لعروض السفر أو الخوف ، وبمجرّد السفر أيضا لا يجوز القصر حتّى يتحقّق شرائطه ، كما عرفت.
فالمكلّف لا يجوز له القصر إلّا أن يثبت له أنّه مسافر بلا شكّ ولا شبهة ، ولا يكون مسافرا إلّا إذا كان خارجا عن وطنه ومنزله ومسكنه جزما ، والكائن في الوطن الحاضر فيه حاضر غير مسافر بالبديهة.
مع أنّك عرفت أنّه لا بدّ من ثبوت كونه مسافرا حتّى يجوز له القصر ، فلا معنى لأنّ يقال : الوطن ما يكون. إلى آخره ، إذ المسافر لفظ يرجع فيه إلى اللغة والعرف ، وليس في اللغة والعرف إلّا من هو خارج عن موضع حضوره ووطنه ، ولا دخل للملك في هذا المعنى أصلا ورأسا ، كما أنّه ليس كلّ من هو في ملكه حاضرا ، بل غالبهم مسافرون ـ لغة وعرفا ـ حين ما كانوا في أملاكهم.
كما أنّ غالب الحاضرين وغير المسافرين ليسوا في ملكهم جزما ، بل الذين ليسوا بمسافرين ـ لغة وعرفا ـ ربّما لا يكون لهم ملك أصلا ، وربّما يكون لهم ملك ليس قابلا للسكنى ، وربّما يكون قابلا ، لكنّهم ليسوا بساكنين فيه ، وعلى ذلك المدار في الأعصار والأمصار ، فكيف يمكن أن يقال : من لم يكن له ملك قد استوطنه ستّة أشهر يكون دائما في السفر؟ بل لا يمكن أن يصير حاضرا أصلا ، لعدم ذلك الوطن له ، بل يكون لازم السفر محال الانفكاك منه ، وأعجب من هذا أن يكون كثير السفر.
ومن كان السفر عمله يجب عليه الإتمام ، ومن كان لازم السفر ، محال