والسلمي وطلحة وقتادة وأبو إسحاق وأهل المدينة وأيوب بالتشديد من التقدير وهي اختيار الكسائي ، وقرأ الباقون بالتخفيف من القدرة واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ويجوز أن يكون التشديد والتخفيف بمعنى واحد كقوله سبحانه وتعالى (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ) (١) فهي بالتخفيف والتشديد ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) وعاء (أَحْياءً وَأَمْواتاً) تجمعهم أحياء على ظهرها فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها وقال [بنان الصفّار] : خرجنا في جبانة مع الشعبي فنظر إلى الجبانة فقال : هذه الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحياء.
وأصل الكفت : الجمع والضمّ ، وكانوا يسمّون بقيع الغرقد كفتة لأنه مقبرة تضمّ الموتى ، ومثله قول النبي عليهالسلام «خمروا آنيتكم وأوّكوا أسقيتكم وأجيفوا الأبواب وأطفئوا المصابيح واكفتوا صبيانكم فإنّ للشيطان انتشارا وخطفة» [٨٣] (٢) يعني بالليل ، ويقال للأرض : كافتة.
(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) عذبا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) في الدنيا (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) يعني دخان جهنم إذا ارتفع أشعب ، وقيل : أنها عنق يخرج من النار فينشعب ثلاث شعب فأمّا النور فيقف على رؤوس المؤمنين والدخان يقف على رؤس المنافقين واللهب الصافي يقف على رؤس الكافرين ، وقال مقاتل : هو السرادق والظل من يحموم.
(لا ظَلِيلٍ) لا كنين (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ إِنَّها) يعني جهنم (تَرْمِي بِشَرَرٍ) ، وهي ما تطاير من النار إذا التهبت واحدتها شررة (كَالْقَصْرِ) وقرأ عيسى بشرار وهي لغة تميم واحدها شرارة.
(كَالْقَصْرِ) وقرأه العامّة بسكون الصاد ، وقال ابن مسعود : يعني الحصون والمدائن وهو واحد القصر وهي رواية الوالي عن ابن عباس قال : كالقصر العظيم ، وقال القرظي : إنّ على جهنم سورا فما خرج من وراء السور مما يرجع إليه في عظم القصر ولون النار.
وروى سعيد عن عبد الرحمن بن عابس قال : سألت ابن عباس عن قوله سبحانه : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال هي الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندّخره للشتاء فكنّا نسمّيها القصر ، وقال مجاهد : هي حزم الشجر ، وقال سعيد ابن جبير والضحاك : هي أصول النخل والشجر العظام واحدتها قصرة مثل تمرة وتمر وجمر وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس : كَالْقَصَرِ بفتح الصاد أراد أعناق النخل ، والقصرة العنق وجمعها قصر وقصرات ، وقرأ سعيد بن جبير كَالْقِصَرِ بكسر القاف وفتح الصاد قال أبو حاتم : ولعله لغة ونظيرها في الكلام حاجة وحوج ، كأنه ردّ الكناية إلى اللفظ.
__________________
(١) سورة الواقعة : ٦٠.
(٢) الفائق في غريب الحديث : ١ / ٣٤٢.