يا أهل مكّة وسّعوا عليهم ما وسّع الله عليكم وأعينوهم ما استعانوكم عليه ، فإنّهم وفد الله وحاجّ بيت الله ولهم عليكم حقّ ، فاسألوني فعلينا كان التنزيل ، ونحن حصرنا التأويل ، فقام إليه رجل من ناحية زمزم فقال : دخلت فأرة جرابي وأنا محرم؟ فقال : اقتلوا الفويسقة ، فقام آخر فقال : أخبرنا بـ (الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) والليالي العشر فقال : أمّا الشفع والوتر فقول الله سبحانه : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فهما الشفع والوتر ، وأمّا الليالي العشرة فالثمان وعرفة والنحر ، فقام آخر فقال : أخبرنا عن يوم (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)؟ فقال : هو يوم النحر ثلاث تتلوها.
وقال مجاهد ومسروق وأبو صالح : (الشَّفْعِ) الخلق كلّه ، قال الله سبحانه : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) (١) الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والبرّ والبحر والشمس والقمر والجنّ والإنس ، (وَالْوَتْرِ) الله سبحانه ، قال الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).
الحسن وابن زيد : أراد بـ (الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) الخلق كلّه ، منه شفع ووتر.
عطية عن ابن عبّاس : (الشَّفْعِ) صلاة الغداة (وَالْوَتْرِ) صلاة المغرب. قتادة عن الحسن : هو العدد منه شفع ومنه وتر. مقاتل : (الشَّفْعِ) هو آدم وحواء ، (وَالْوَتْرِ) هو الربّ تبارك وتعالى ، وقيل : (الْوَتْرِ) آدم شفّعه الله بزوجته حواء.
إبراهيم والقرظي : الزوج والفرد. الربيع عن أبي العالية : (الشَّفْعِ) ركعتان من صلاة المغرب (وَالْوَتْرِ) الركعة الثالثة ، وقيل : (الشَّفْعِ) الصفا والمروة (وَالْوَتْرِ) البيت ، الحسين بن الفضل : (الشَّفْعِ) درجات الجنان ؛ لأنّها ثمان (وَالْوَتْرِ) دركات النار ؛ لأنّها سبع ، كأنّه الله ـ سبحانه وتعالى ـ أقسم بالجنّة والنار.
مقاتل بن حيان : (الشَّفْعِ) الأيّام والليالي ، (وَالْوَتْرِ) اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع الشجري يقول : سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول : سمعت عبد الجبّار بن العلاء العطّار يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : الوتر هو الله عزوجل وهو الشفع أيضا ؛ لقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) (٢) وسمعت أبا القاسم يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد ابن يزيد يقول : سمعت أبا عبد الله بن أبي بكر الورّاق يقول : سئل أبو بكر عن (الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) فقال : (الشَّفْعِ) تضاد أوصاف المخلوقين العزّ والذلّ والقدرة والعجز والقوّة والضعف والعلم
__________________
(١) سورة الذاريات : ٤٩.
(٢) سورة المجادلة : ٧.