عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١) ، وانّما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه من إعادتها مرّة واحدة ، وذلك أنّه فسّر اقتحام العقبة بأشياء فقال : (فَكُّ رَقَبَةٍ) الآية ، فكأنه قال في أوّل الكلام فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا.
وقال بعضهم : معنى الكلام الاستفهام ، تقديره أفلا اقتحم العقبة ، وإليه ذهب ابن زيد وجماعة من المفسّرين ، يقول : فهلّا أنفق ماله في فك الرقاب وإطعام السغبان ليتجاوز بها العقبة ويكون خيرا له من إنفاقه على عداوة محمّد ، ويقال : إنّه شبّه عظم الذنب وثقلها على مرتكبها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحا كان مثله مثل من اقتحم تلك العقبة ، وهي الذنوب حتّى تذهب وتذوب ، كمن يقتحم عقبة فيستوي عليها ونحوها.
وذكر عن ابن عمران : أنّ هذه العقبة جبل في جهنّم ، وقال كعب : هي سبعون دركة في جهنّم ، وقال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله سبحانه ، وقال مجاهد والضحّاك والكلبي : هي الصراط يضرب على جهنّم كحدّ السيف مسيرة ثلاثة آلاف سهلا وصعودا وهبوطا ، وأنّ لجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنّها شوك السعدان ، فناج مسلم وناج مخدوس ومكردس في النار منكوس ، فمن الناس من يمرّ عليه كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ عليه كالريح العاصف ، ومنهم من يمرّ عليه كالفارس ، ومنهم من يمرّ عليه كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفا ، ومنهم الزالّون والزالّات ، ومنهم من يكردس في النار ، واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء.
وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله سبحانه يقول : إنّ المعتق والمطعم تقاحم نفسه وشيطانه مثل من يتكلّف صعود العقبة ، وقال ابن زيد يقول : فهلّا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثمّ بيّن ما هي فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) قال سفيان بن عينية : كلّ شيء قال : (وَما أَدْراكَ) فإنّه أخبره به ، وما قال : (وما يدريك) فإنّه لم يخبر به.
(فَكُّ رَقَبَةٍ) فمن أعتق رقبة كان فداه من النار ، قرأ أبو رجاء والحسن وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بنصب الكاف والميم على الفعل كقوله : (ثُمَّ كانَ) ، وقرأ غيرهم بالإضافة على الاسم واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لأنّه تفسير لقوله (وَما أَدْراكَ) ، ثم أخبر ما هي فقال : (فَكُّ رَقَبَةٍ). (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) مجاعة.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله المستعيني قال : حدّثنا علي بن الحسين البصري قال : حدّثنا حجّاج قال : حدّثنا جرير بن حازم
__________________
(١) سورة البقرة : ٣٨.