المشركون : إنّ محمدا ودّعه ربّه وقلاه ، ولو كان أمره من الله لتتابع عليه كما كان يفعل بمن قبله من الأنبياء.
وقال المسلمون : يا رسول الله أما ينزل عليك الوحي؟ فقال : «وكيف ينزل عليّ الوحي وأنتم لا تنقون براجمكم ولا تقلّمون أظفاركم (١)» ، فأنزل الله سبحانه جبرائيل عليهالسلام بهذه السورة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا جبرائيل ما جئت حتى اشتقت إليك» [١٦١] ، فقال جبرائيل عليهالسلام : وأنا كنت إليك أشدّ شوقا ولكني عبد مأمور وما ننزل (إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسن بن علي بن عفان قال : حدّثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، أنه سمع جندب بن سفيان يقول : رمي النبي صلىاللهعليهوسلم بحجر في إصبعه ، فقال :
«هل أنت إلّا إصبع دميت |
|
وفي سبيل الله ما لقيت» [١٦٢] |
فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم [الليل] ، فقالت له امرأة : يا محمد ما أرى شيطانك إلّا قد تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ليال. وقيل : إنّ المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب ، فأنزل الله سبحانه (وَالضُّحى). يعني النهار كلّه ، دليله قوله (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) فقابله بالليل ، نظيره قوله (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) أي نهارا ، وقال قتادة ومقاتل : يعني وقت الضحى ، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس ، واعتدال النهار من الحر والبرد في الشتاء والصيف ، وقيل : هي الساعة التي كلّم الله فيها موسى ، وقيل : هي الساعة التي ألقي السحرة فيها سجّدا ، بيانه قوله سبحانه : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : بإضمار الربّ مجازه : وربّ الضحى.
(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) قال الحسن : أقبل بظلامه ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، الوالبي عنه : إذا ذهب الضحّاك : غطّى كلّ شيء ، مجاهد وقتادة وابن زيد : سكن بالخلق واستقر ظلامه ، يقال : ليل ساج ، وبحر ساج إذا كان ساكنا ، قال الراجز :
يا حبذا القمراء والليل الساج |
|
وطرق مثل ملاء النسّاج (٢) |
وقال أعشى بني ثعلبة :
فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمّكم |
|
وبحرك ساج ما يواري الدّعا مصا (٣) |
__________________
(١) المعجم الكبير للطبراني : ١١ / ٣٤١ وفيه : ولا تنقون رواجبكم. وتفسير ابن كثير : ٣ / ١٣٧.
(٢) زاد المسير : ٨ / ٢٦٨. كتاب العين : ٦ / ١٦١. لسان العرب : ٥ / ١١٣.
(٣) لسان العرب : ٧ / ٣٦. تاج العروس : ١٠ / ١٧٠.