إذا وجب بحق حقوقا ، قال الله سبحانه : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) (١) وقال الكسائي والمؤرخ : (الْحَاقَّةُ) : يوم الحق ، يقول العرب : لما عرفت الحق مني.
و (الْحَاقَّةُ) والحقّة هي ثلاث لغات بمعنى واحد ، و (الْحَاقَّةُ) الأولى رفع بالابتداء وخبره فيما بعده ، وقيل : (الْحَاقَّةُ) الأولى مرفوعة بالثانية ؛ لأنّ الثانية بمنزلة الكتابة عنها كأنه عجب منها وقال : الحاقة ما هي؟ كما تقول : زيد ما زيد ، و (الْحَاقَّةُ) الثانية مرفوعة بما ، وما بمعنى أي شيء ، وهو رفع بالحاقة الثانية ، ومثله (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) (٢) ، (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) (٣) ، ونحوهما.
(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) أي بالعذاب الذي نزل بهم حين وعدهم نبيّهم حتى هجم عليهم فقرع قلوبهم. وقال ابن عباس وقتادة : بالقيامة.
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أي بطغيانهم وعصيانهم ، وهي مصدر كالحاقة ، وقيل : هي نعت مجازه : بفعلتهم الطاغية ، وهذا معنى قول مجاهد وابن زيد ، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) (٤) وقال قتادة : يعني بالصيحة الطاغية التي جاوزت مقادير الصياح فاهمدتهم.
(وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) عتت على خزانها فلم تطعهم وجاوزت المقدار.
أخبرني الحسن قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا محمد بن حمدان بن سعد قال : حدّثنا أبو زرعة الرازي قال : حدّثنا المعافى بن سلمان البحراني قال : حدّثنا موسى بن عمر عن سعيد عن موسى بن المسيب عن شهر بن خوشب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ما أرسل الله سبحانه من ريح إلّا بمكيال ، ولا قطرة من ماء إلّا بمكيال ، إلّا يوم عاد ويوم نوح ، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزائن فلم يكن لهم عليها سبيل ، ثمّ قرأ : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ)» [٢١] (٥).
(سَخَّرَها) أرسلها وسلطها. (عَلَيْهِمْ) والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار. (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) قال وهب : هي الأيام التي سمّاها العرب : أيام العجوز ذات برد ورياح شديدة وإنما نسبت هذه الأيام الى العجوز ؛ لأن عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب في اليوم الثامن.
__________________
(١) سورة الزمر : ٧١.
(٢) سورة القارعة : ١ ـ ٢.
(٣) سورة الواقعة : ٢٧.
(٤) سورة الشمس : ١١.
(٥) جامع البيان للطبري : ٢٩ / ٦١.