عدي بن الويل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني كنانة ، وخويلد بن وائلة الهذلي وهو يومئذ سيد بني هذيل ، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال أهل تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت ، فأبى عليه ، فلمّا ردت الإبل على عبد المطّلب خرج فأخبر قريش الخبر ، وأخبرهم أن يتفرّقوا في الشعاب ، وتحرزوا في رؤوس الجبال تخوّفا عليهم من معرّة الجيش إذا دخل ، ففعلوا وأتى عبد المطّلب الكعبة فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول :
يا ربّ لا أرجو لهم سواكا |
|
يا ربّ فامنع منهم حكاكا |
لا يغلبنّ صليبهم |
|
ومحالهم غدوا محالك |
جروا جموع بلادهم |
|
والفيل كي يسبوا عيالك |
عمدوا حماك بكيدهم |
|
جهلا وما رقبوا جلالك |
إن كنت تاركهم وكعبتنا |
|
فأمر ما بدا لك (١) |
ثم ترك عبد المطّلب الحلقة وتوجّه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيّأ للدخول وعبّأ جيشه وهيّأ فيله وكان اسم الفيل محمود ، وكان فيل النجاشي بعثه إلى أبرهة ، وكان فيلا لم ير مثله في الأرض عظما وجسما وقوّة.
ويقال : كانت معه اثنا عشر فيلا ، فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه وقال : ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول على رأسه فأبى ، فأدخلوا محاجنهم تحت مراقه ومرافقه فنزعوه ليقوم فأبى ، فوجّهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم ، وخرج الفيل يشتد حتى أصعد في الجبل.
وأرسل الله طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طاير منها ثلاثة أحجار : حجران في رجليه وحجر في منقاره أمثال الحمّص والعدس ، فلمّا أغشين أرسلها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلّا هلك.
وليس كلّ القوم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلّهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :
أين المفر والإله الطالب |
|
والأشرم (٢) المغلوب غير الغالب؟ (٣) |
__________________
(١) زاد المسير : ٨ / ٣١٠ ، وتاريخ الطبري : ١ / ٥٥٤.
(٢) الأشرم : هو أبرهة سمي بذلك لأنه جاءه حجر فشرم أنفه.
(٣) تاريخ الطبري : ١ / ٥٥٥.