هذه القراءة ما أخبرنا الحسين بن فنجويه قال : حدّثنا ابن خنيس قال : حدّثنا أبو خديجة أحمد ابن داود قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا مهران عن سفيان بن ليث عن شمر بن حوشب عن أسماء قالت : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم [يقرأ] : «إلفهم رحلة الشتاء والصيف» [٢٦٢] (١).
وروى الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي جعفر ، والوليد عن أهل الشام (إلافهم) مهموزة مختلسة بلا ياء ، وروى محمد بن حبيب الحموي عن أبي يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إِأْلافهم) بهمزتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة الباقون (إِيلافِهِمْ).
وأخبرني سعيد بن المعافى ، أخبرهم عن محمد بن جرير قال : حدّثنا أبو كرنب قال : حدّثنا وكيع عن أبي مكّي عن عكرمة أنه كان يقرأ (إليالف قريش الفهم).
وعدّ بعضهم السورتين واحدة منهم أبيّ بن كعب ولا فصل بينهما في مصحفه.
وقال سفيان بن عيينة : كان لنا امام لا يفصل بينهما ويقرأهما معا ، وقال عمرو بن ميمون الأودي صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضياللهعنه فقرأ في الأولى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) ، وفي الثانية (أَلَمْ تَرَ) و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ).
واختلفوا في العلّة الجالبة لهذه اللام فقال الفرّاء : هي متّصلة بالسورة الأولى وذلك أنه [تعالى] ذكّر أهل مكّة عظيم نعمته عليهم في ما صنع بالحبشة ، ثم قال : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منّا على قريش أي نعمتنا عليهم في رحلتهم الشتاء والصيف ، فكأنّه قال : نعمة إلى نعمة فتكون اللام بمعنى (إلى).
وقال الرازي والأخفش : هي لام التعجب يقول : عجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته.
وهذا كما يقول في الكلام : لزيد وإكرامنا إيّاه ، على وجه التعجب أي : أعجب لذلك ، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجّب لإظهار الفعل فيه كقول الشاعر :
أغرّك أن قالوا لقرة شاعرا |
|
فيا أباه من عريف وشاعر |
أي أعجبوا لقرة شاعرا (٢).
وقيل هي لام (كي) مجازها (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) ليؤلف قريشا ، فكان هلاك أصحاب الفيل سببا لبقاء إيلاف قريش ، ونظام حالهم وأقوام مالهم ، وقال الزجّاج : هي مردودة إلى ما بعدها ، تقديره : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) لإيلاف رحلة الشتاء والصيف.
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ٣٠ / ٣٩٤.
(٢) جامع البيان للطبري : ٣٠ / ٣٩٥.