أخبرني جابر بن عبد الله إنّ أوّل شيء نزل من القرآن (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، وقال جابر : ألا أخبرك ما سمعت عن النبي عليهالسلام سمعته يقول : «جاورت بحراء فلما قضيت جواري أقبلت في بطن الوادي فناداني مناد فنظرت عن يميني وشمالي وخلفي وأمامي فلم أر شيئا ، ثم ناداني فنظرت فوقي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض فجثثت منه فرقا فأقبلت إلى خديجة ، فقلت : دثروني وصبّوا عليّ ماءا باردا فأنزل الله سبحانه (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)» [٥٢] (١).
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن يزيد الصيرفي قال : حدّثنا عليّ بن حرب الموصلي قال : حدّثنا عبد الرحمن بن يحيى المدني عن يونس عن الزهري قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : أخبرني جابر أنه سمع رسول الله عليهالسلام يقول : «فنزعني الوحي مرّة فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي أتاني بحراء قاعد على الكرسي بين السماء والأرض فجثثت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي فقلت زمّلوني فأنزل الله سبحانه (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)» [٥٣] (٢).
(قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) قال : عكرمة سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال : معناه لا يلبسها على معصية ولا على غدرة ثم قال : قول غيلان بن سلمة الثقفي :
إني بحمد لله لا ثوب فاجر |
|
لبست ولا من غدرة أتقنع |
والعرب تقول للرجل إذا وفي وصدق : إنه طاهر الثياب ، وإذا غدر ونكث : إنه لدنس الثياب.
وقال أبي بن كعب : لا يلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على أكم (٣) البسها وأنت طاهر ، وقال قتادة وإبراهيم والضحاك والشعبي والزهري ويمان : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) من الذنب والإثم والمعصية ، وقال أهل المعاني : أراد طهّر نفسك عن الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه ، كقول عنترة :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه |
|
ليس الكريم على القنا بمحرم (٤) |
أي نفسه ، وقال آخر :
ثياب بني عوف طهارى نقية |
|
وأوجههم بيض المسافر غران (٥) |
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ٢٩ / ١٧٩.
(٢) سنن الترمذي : ٥ / ١٠٠ ، أسباب نزول الآيات : ٧. بتفاوت.
(٣) الأكم : المتّسخ قال أبو نخيلة : بين النقاء والأكم المستأكم ، لسان العرب : ١٢ / ٢١.
(٤) لسان العرب : ٤ / ٥٠٦.
(٥) لسان العرب : ١ / ٢٤٦.