ويقال مشجت هذا بهذا أي خلطته فهو ممشوج ومشج ، مثل مخلوط وخليط ، قال أبو دوم :
كأن الريش والفوقين منه |
|
خلاف النصل سبطيه مشيج |
قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد والربيع : يعني ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم فيكون منهما جميعا الولد ، وماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا صاحبه كان الشبه له ، وقال قتادة : هي أطوار الخلق : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم لحما ثم عظاما ثم يكسوه لحما ثم ينشئه خلقا آخر.
وقال الضحاك : أراد اختلاف ألوان النطفة نطفة ، الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء فهي مختلفة الألوان ، وهي رواية الوالي عن ابن عباس وابن أبي نجح عن مجاهد ، وكذلك قال عطاء الخراساني والكلبي : الأمشاج الحمرة في البياض والبياض في الحمرة أو الصفرة.
وقال عبد الله بن مسعود وأسامة بن زيد : هي العروق التي تكون في النطفة ، وروى ابن جريح عن عطاء قال : الأمشاج الهن الذي كأنه عقب ، وقال الحسن : نعم والله خلقت من نطفة مشجت بدم وهو دم الحيضة فإذا حبلت أرفع الحيض ، وقال يمان : كل لونين اختلطا فهما أمشاج ، وقال ابن السكيت : الأمشاج : الأخلاط ، لأنها ممتزجة من أنواع فخلق الإنسان ذا طبائع مختلفة ، وقال أهل المعاني : بناء الأمشاج بناء جمع وهو في معنى الواحد لأنه نعت النطفة وهذا كما يقال : برمة أعشار وثوب أخلاق ونحوهما (١).
وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا عثمان المغربي يقول : سئلت وأنا بمكّة عن قول الله سبحانه : (أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) فقلت ابتلى الله الخلق تسعة أمشاج : ثلاث مفتنات وثلاث كافرات وثلاث مؤمنات ، فأما الثلاث المفتنات فسمعه وبصره ولسانه ، وأما الثلاث الكافرات فنفسه وهواه وشيطانه ، وأما الثلاث المؤمنات فعقله وروحه وملكه ، فإذا أيّد الله العبد بالمعونة فقرّ العقل على القلب فملكه واستأسرت النفس والهوى فلم يجد إلى الحركة سبيلا ، فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هي العليا : (قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (٢).
(نَبْتَلِيهِ) نختبره بالأمر والنهي وقال بعض أهل العربية : هي مقدمة معناها التأخير مجازها : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لنبتليه ؛ لأن الابتلاء لا يقع إلّا بعد تمام الخلقة. (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ)
__________________
(١) راجع لسان العرب : ٦ / ٣٣٩ ، وتاج العروس : ٤ / ٣٤٢.
(٢) سورة البقرة : ١٩٣.