وفى الآية إشارة إلى أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء ، لأن بناء البيت يكون قبل الفرش ، وهذا ما يثبته العلم الحديث الآن ، وقد تقدم ذكر ذلك غير مرة.
ثم مدح سبحانه نفسه على ما صنع فقال :
(فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أي فنعم ما فعلنا ، وما أجمل ما خلقنا ، مما فيه عظة لمن يتذكر ويتدبر.
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي وإنا خلقنا لكل ما خلقنا من الخلق ثانيا له ، مخالفا له فى مبناه والمراد منه ، وكل منهما زوج للآخر ، فخلقنا السعادة والشقاوة ، والهدى والضلال ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والسواد والبياض ـ لتتذكروا وتعتبروا فتعلموا أن الله ربكم الذي ينبغى لكم أن تعبدوه وحده لا شريك له ـ هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه ، وابتداع زوجين من كل شىء لا ما لا يقدر على ذلك.
(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي فالجئوا إلى الله واعتمدوا عليه فى جميع أموركم ، واتبعوا أوامره ، واعملوا على طاعته ، ثم علل الأمر بالفرار إليه بقوله :
(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي إنى لكم نذير من الله أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم التي قص عليكم قصصها ، وإنى مبيّن لكم ما يجب عليكم أن تحذروه.
ثم ذكر أعظم ما يجب أن يفر المرء منه ، وهو الشرك فقال :
(وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي ولا تجعلوا مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه ، فإن العبادة لا تصلح لغيره.
ثم علل هذا النهى بقوله :
(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي إنى لكم نذير ومخوف من عقابه على عبادتكم غيره.