ثم بين أن كل ما يوجد فى هذه الحياة فهو لا يحدث اتفاقا ، وإنما يحصل بقضاء الله وقدره فقال :
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أي إن كل كائن فى هذه الحياة ، فهو بتقدير الله وتكوينه على مقتضى الحكمة البالغة والنظام الشامل ، وبحسب السنن التي وضعها فى الخليقة.
ونحو الآية قوله : «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» وقوله : «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى» وفى الحديث الصحيح «استعن بالله ولا تعجز ، فإن أصابك أمر فقل : قدر الله وما شاء فعل ، ولا تقل لو أنى فعلت لكان كذا ، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان» وفى حديث ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له : «... واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشىء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، جفت الأقلام ، وطويت الصحف».
وبعد أن بين نفاذ قدره فى خلقه بين نفاذ مشيئته فيهم فقال :
(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي إنا إذا أردنا أمرا قلنا له كن فإذا هو كائن ولا يحتاج إلى تأكيد الأمر بثانية ولا ثالثة ، ولله در القائل :
إذا أراد الله أمرا فإنما |
|
يقول له (كن) قولة فيكون |
وهذا تمثيل لسرعة نفاذ المشيئة فى إيجاد الخلق ، فهى كلمح البصر أو هى أقرب.
وجماع القول ـ ما أمرنا للشىء إذا أردنا إيجاده إلا قولة واحدة (كن) فيكون لا مراجعة فيها ولا ردّ ، فهى فى السرعة كلمح البصر لا إبطاء ولا تأخير.
ثم أنبهم على ما هم فيه من غفلة وعماية عن الحق بعد وضوحه فقال :
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟) أي ولقد أهلكنا أشباهكم يا معشر قريش من المكذبين لأنبيائهم من الأمم الخالية ، واستأصلنا شأفتهم بحسب سنتنا فى أمثالهم ، بشتى العقوبات ، ومختلف الوسائل «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ.