ثم طلب إنفاق المال فى سبيله ، وأبان أن المال عارية مستردّة فهو ملك له وأنتم خلفاؤه فى تثميره فى الوجوه التي فيها خير لكم ولأمتكم ولدينكم ، ولكم على ذلك الأجر الجزيل الذي يضاعفه إلى سبعمائة ضعف ، ثم حث على ذلك بأن جعل هذا صفوة دعوة الرسول وقد أخذ عليكم العهد به ، وآيات كتابه هادية لكم تخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، والله رءوف بكم إذ أنقذكم من هاوية الشرك وهداكم إلى طاعته ، ثم ذكر فضل السابقين الأولين الذين أسلموا قبل فتح مكة ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم فى إعلاء كلمة الله حين عز النصير وقلّ المعين ، فهؤلاء لا يستوون مع من فعل ذلك بعد الفتح وبعد أن دخل الناس فى دين الله أفواجا ، وهؤلاء وأولئك لهم المثوبة الحسنى والأحر الكريم عند ربهم ؛ ثم حث على الإنفاق مرة أخرى وسماه قرضا له ، وأنه سيردّ هذا القرض ويجازى به أجمل الأجر يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه.
الإيضاح
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي أقروا بوحدانية الله وصدقوا رسوله فيما جاءكم به عن ربكم ـ تنالوا الفوز برضوانه ، وتدخلوا فراديس جناته ، وتسعدوا بما لم يدر لكم بخلد ، ولم يخطر لكم ببال.
(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي وأنفقوا مما هو معكم من المال على سبيل العارية ، فإنه قد كان فى أيدى من قبلكم ثم صار إليكم ، واستعملوه فى طاعته وإلا حاسبكم على ذلك حسابا عسيرا ، ولله درّ لبيد إذ يقول :
وما المال والأهلون إلا ودائع |
|
ولا بد يوما أن تردّ الودائع |
وفى هذا ترغيب أيّما ترغيب فى الإنفاق ، لأن من علم أن المال لم يبق لمن قبله وانتقل إليه ـ علم أنه لا يدوم له بل ينتقل إلى غيره ، وبذا يسهل عليه إنفاقه.
قال شعبة : سمعت عن قتادة يحدّث عن مطرّف بن عبد الله عن أبيه قال :